"يعتبر بديع الزمان من أعمق المصلحين إيمانا، وأغزرهم علما، وأصلبهم جهادا، وأمضاهم قلما، وأشرقهم أسلوبا. وقد انبثق في سماء تركيا انبثاق البدر في حالك الظلام، فقام بدور عظيم في بعث الهمم وإنقاذ الإيمان ومقاومة الغزو الفكري بعرض حقائق الإسلام، والوقوف كالطود الشامخ أمام الكفر ومؤمراته داعيا إلى الأخوة، والمحبة، وبناء الذات، والخلاص من الأنانية ، فاستنارت بفكره العقول، وصفت بدعوته القلوب، واطمأنت بروحانيته النفوس" *...
من كلماته رحمه الله:
* الود والمحبة من خصال الإسلام وروابطه الأساسية، أما من درج على إضمار العداء لغيره فهو أشبه بطفل متقلب الأطوار.
* من آثار الرحمة الإلهية أن يجد كل ذي حياة لنفسه درسا في الصلاة والتسبيح.
* إن الصلاة التي تجلب الغذاء لقلبي وماء الحياة لروحي ونسيم الهواء للطيفة الربانية الكامنة في جسمي.
* إن الدين حياة للحياة ونور وأساس لها، ولا يمكن إحياء الشعب إلا بإحياء الدين.
* إن في كل ذنب طريق إلى الكفر. لو لم تمح تلك الذنوب بالاستغفار لن تكون كدودة في القلب بل كحية معنوية تعض القلب.
* إن الإخلاص في الأعمال ولا سيما الأعمال الأخروية منها؛ هو أهم أساس، وأعظم قوة ، وأرجى شفيع، وأثبت مرتكز، وأقصر طريق للحقيقة، وأبر دعاء معنوي، وأكرم وسيلة للمقاصد، وأسمى خصلة، وأصفى عبودية.
* إن منهج رسائل النور** هو الحقيقة وليس الطريقة ورسائل النور هي شعبة من منهج الصحابة. فعصرنا هذا هو عصر انقاذ الإيمان ليس إلا..
* باب الحرية الأول هو تآلف القلوب، والباب الثاني هو محبة الشعب، وباباها الثالث هو الثقافة والمعارف، وأما الرابع فهو السعي الإنساني ، وترك السفه هو خامس أبوابها ، وهذا معناه أن يبعد الفرد والمجتمع عن المتاعب وعن الحسد والتفاخر والبذخ.
* إن لهذا العصر مرضا آخر هو الأنانية والغرور بالنفس والتوغل في ملذات الدنيا والانهماك فيها.. إن الأساس الأول لدروس ورسائل النور المستلهمة من القرآن العظيم هو ترك الأنانية والغرور بالنفس وحب الذات والتمسك بالإخلاص والمحافظة على الإيمان وخدمته وإرضاء الحق.
* إن الطبيعة ليست طابعا بل مطبعة، وهي ليست نقاشة بل نقشا، وليست فاعلة بل قابلة، وليست مصدرا بل مسطرا، وليست ناظما بل نظاما، وليست قدرة بل قانونا، إن الطبيعة شريعة إلهية، وليس لها حقيقة خارجية.
* لا يمكن لأي صدفة التدخل في هذا الكون الذي خلق بدقة وحكمة، وصنع بنظام وترتيب وبتدبير خارق، ولا يمكن لأي قوة عمياء ولا للطبيعة الحمقاء أن توجد مثل هذا التوازن، كما لا يمكن للصدفة العشوائية أن تشكل الكون من تلقاء نفسها، فلابد أن يواجهها مائة محال في كل محال.
* كما أن الحضارة الغربية صارت مغلوبة أمام إعجاز القرآن وحكمته وبلاغته كذلك فإن الأدب الغربي صار مغلوبا أمام الأدب الإسلامي وبلاغة القرآن.
* إن الأدب القرآني لا يشوق إلى الهوى ويعطي البشر الميل إلى الحق ويعطيهم حب الحسن المجرد وحب الجمال الحقيقي وحب الحقيقة والشوق إليها. ولا ينظر الأدب الإسلامي إلى الكون بنظرة الطبيعة بل يرى الكون صنعا إلهيا وصبغة رحمانية... وهكذا يتحدث عن الكون يدون أن يغرر بالعقل.. يرشده إلى الطريق المستقيم، ويلقنه معرفة الصانع الحكيم، ويرشده إلى دلائل وحدانيته تعالى.
* نعم إن تزيين وجه الدنيا بهذا القدر من المخلوقات الجميلة، وجعل الشمس سراجا والقمر نورا، وسطح الأرض مائدة لنعمة الله وملأها بأنواع النعم، وجعل الأشجار المثمرة صحافا وأواني وتجديدها مرة كل موسم .. كل ذلك يظهر كرما لا حد له..
* ما دام الموت لا يموت، والقبر لا يغلق، والأجل خفي ويمكن أن يأتي في أي وقت، وقوافل البشر لا ينقطع دخولها القبر، وما دام الموت أجازة للمؤمنين من العمل، وما دام القبر باب إعدام أبدي للكفار وباب سعادة للمؤمنين وفراقا أبديا للكافرين عن أحبائهم؛ فليس هناك أدنى شبهة بأن أسعد الناس هم الصابرون الشاكرون المستفيدون من أوقات فراغهم بالإطلاع على الحقائق القرآنية والإيمانية، والسلوك في طريق الاستقامة وخدمة القرآن.
* إذا لم يؤمن الإنسان بالله عز وجل يكون مضطرا ليصارع وحده ما لا يعد من الأعداء، ويحصل بنفسه على ما لا يحد من الحاجات، بما يملك من اقتدار كذرة، واختيار كشعرة، وشعور كلمعة تزول، وحياة كشعلة تنطفيء وعمر كدقيقة تنقضي مع إنه لا يكفي كل ما في يده لواحد من مطالبه.
* أرى أن أسعد الناس في هذه الدنيا من يتقبلها على أنها دار ضيافة عسكرية وأن يذعن لذلك وينظم حركاته على هذا الأساس. وبهذا التقبل سيصل بسرعة إلى المرتبة الكبرى التي هي مرتبة الرضا. ولا يشري الماس بزجاجة قابلة للكسر ويقضي حياته بالاستقامة واللذة. نعم إن الأمور المتعلقة بالدنيا كالزجاجات المحكوم عليها بالكسر والأمور الباقية الأخروية كالماس النفيس الغالي.
* الآن أيها الجاهل الغافل، المعاند، المعطل بأي شيء تستطيع أن تفسر هذه الحقيقة العظمى؟ (النظام الكامل في الكون) وإلى أي شيء تسند هذه الصنعة العجيبة الغربية؟!
* إن المتعة الحقيقية واللذة التي بدون ألم والسرور الخالي من الكدر وسعادة الحياة؛ هي في الإيمان.. وتوجد في إطار حقائق الإيمان فقط، وإلا فإن كثيرا من اللآلام تكمن في اللذة الدنيوية، شأن ذلك كمن يطعم حبة من العنب ويصفع عشر صفعات.
* إن هذ الكون كتاب تحتوي كل صفحة منه كتبا كثيرة، بل ضمن كل كلمة فيها كتاب، وضمن كل حرف قصيدة.. إن كل ثمرة حرف وكل بذرة نقطة، وفي هذه النقطة فهرس برنامج شجرة كبيرة. فهذا الكون العظيم كقصر، والقمر مصابيحه، والنجوم شموعه، والزمن خيط وشريط، كل سنة يعلق عليه الصانع ذو الجلال عالما آخر ويريه للأنظار.
* نعم إن الجواد الكريم الذي جعل كل وجه الأرض مائدة نعمة، وجعل الربيع باقة زهر توضع بجوار تلك المائدة، وتنثر فوقها؛ كيف يكون الفقر أليما، والحاجة ملحة على ضيوفه؟!
* يا أوربا أهديت بدهائك الأعور لروح البشر هذه الحالة الجهنمية، ثم تفطنت لهذا الداء العضال دواء لإبطال الحس في الجملة، وهو الملاهي الجذابة والهوسات الجلابة. فتعسا لك ولدوائك...
* إن هناك سنة أمراض قاتلة جعلتنا نقف على أعتاب القرون الوسطى في مسالكها المظلمة. في الوقت الذي طار فيه الأجانب - وخاصة الأوربيين
*بخطى سريعة نحو المستقبل وهم يتسابقون في ميادين الرقي والتقدم العلمي وهذه الأمراض هي:
الياس أو القنوط الذي ما زال يجد أسباب الحياة في نفوسنا.
موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.
حب العداوة.
تجاهل الروابط الروحية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.
ذيوع الاستبداد
حصر الهمة في المنفعة الشخصية دون الالتفات إلى النفع العام.
* إن مفتاح سعادة المجتمع الإسلامي والمسلمين بوجه عام هو الشورى، ولقد أمرنا القرآن الكريم بالأخذ بمبدأ الشورى في جميع أمورنا، حيث يقول "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى:38)
* المعاصي والفساد والمتعة المحرمة آلام روحية مبرحة، كما أن عمل الحسنات والخصال الحميدة والالتزام بالحقائق الشرعية ملذات روحية أشبه ما تكون بملذات الجنة.
* إن عصرنا هذا هو عصر الجماعة، فالفرد لا يستطيع الثبات أمام هجوم الضلال؛ لأن هذا الهجوم ينشأ من فكر جماعي، وسيقهر الفرد أمام هجوم الضلال لأنه هجوم جماعي.
* سئل بديع الزمان عن الحرية عندما قال له سائل: يفسرون الحرية لنا بشكل رديء فيقولون لنا إذا لم تضر بأحد فأنت حر، فافعل ما شئت من الرذيلة والفضيلة. فهل هذا صحيح؟
فأجاب: إن الذين يفسرون الحرية على هذا النحو، لا يفسرون الحرية الحقيقية. إنهم يفسرون الرذيلة ويعلنون عن فضائحهم ويعترفون بسفاهتهم، لأن الحرية الحقيقية يلزم أن تتحلى بآداب الشريعة وإلا فإنها لا تعد حرية.
* إن الفنون الحضارية هي نور العقل، والعلوم الدينية هي ضياء القلب وبامتزاجهما تتجلى الحقيقة، وبافتراقهما تتولد الحيل والشبهات، وهذا الفكر يشكل أساسا مهما في التربية والمعارف.
* التفكير بالعقبى ليس بجلب المستقبل إلى الحاضر خيالا، بل الذهاب فكرا من الحاضر إلى المستقبل، ومشاهدة المستقبل من خلال الحاضر الواقع كما هو الحقيقة، فلا حاجة إلى الخيال، ولا يلزم الافتراض، إذ الإنسان يمكنه مشاهدة جنازته وهي ثمرة محمولة على شجرة عمره القصير، وإذا ما حول نظره قليلا لا يرى موته وحده، بل يرى أيضا موت عصره، حتى إذا جال بنظره أكثر يرى موت الدنيا ودمارها، وعندها ينفتح أمامه الطريق إلى "الإخلاص التام".
* أراني عن قريب لبست كفني وركبت تابوتي، وودعت أحبائي، وتوجهت إلى باب قبري ، فأنادي في باب رحمتك: الأمان الأمان يا حنان يا منان، نجني من خجالة العصيان.
* د.سمير رجب محمد: "الفكر الأدبي والديني عند الداعية الإسلامي بديع الزمان النورسي" (رسالة دكتوراه) سوزلر للنشر، فرع القاهرة ، 1416هـ /1995م، ط2، وهو الكتاب الذي اخترت منه الأقوال.
**رسائل النور: هي رسائل سجل فيها الأستاذ سعيد النورسي كل ما استلهمه من نور القرآن الكريم من معاني الإيمان، وأملاها على محبيه في ظروف عسيرة، بهدف إنقاذ إيمان الناس في هذا العصر بإحياء معاني القرآن ومقاصده في النفوس والعقول والأرواح، وتقع كليات رسائل النور في تسعة أجزاء.