الاستحمار
(1) أن يسعى أحد لجعل إنسان حمارًا
(2). والإنسان المستحمَر (بفتح الميم) إذا رأى الكتاب أو حمله يكون كمثل الحمار يحمل أسفارا، وإذا رأى كومة من الحكمة تضم مئات الحِكم ورأى بجوارها قبضة برسيم انصرف مباشرة إلى البرسيم،
ولو أجريت معه حوارًا وسألته:
"لمَ تخليت عن الحكمة واخترت البرسيم ؟" لسخر من ذلك السؤال؛
إذ لا يستطيع الحمار أن يرى شيئا يعدل قبضة برسيم يأكلها على جوع.
والاستحمار قابليَّة واستعداد،
وللمصريين كلمة طريفة يقول أحدهم إذا ما حاول أحد استغفاله: "إنتا بتستكردني!" - ومعذرة للإخوة الأكراد -
فكأنَّ المصري حين يقول ذلك يرى أنَّ أخاه الكردي تفوته أمور كثيرة لا تتقبلها فهلوة المصري.
في دلالات الاستحمار
والشعوب اليوم -
وفي كثير من فترات التاريخ -
تمر بحالات استحمار،
بعضها حالات يقوم بها حكّامها،
وحالات أخرى يقوم بها خصومها وأعداؤها.
والأجهزة الإعلاميَّة الحديثة يغلب عليها -خاصّة في الإعلام الموجه من قبل الخصوم- أن تكون من أهم أدوات الاستحمار،
فهي تشحن الناس إن شاءت،
وتفرغهم إن أرادت،
وتشعرهم بالتخمة حتى التجشؤ إذا قررت ذلك،
وتشعرهم بالجوع حتى السقوط إذا اقتنعت بأنَّ لها في ذلك مصلحة؛
ولذلك جعل الله السمع والبصر والفؤاد مسؤوليَّة كبرى فقال الله جل شأنه: "إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (الإسراء: 36).
فالإنسان مطالب أن يميز بين من يريدون استحماره واستعماره،
ومن يريدون توجيهه وتعليمه والرقي به؛
ولذلك كان الاجتهاد فريضة على كل مسلم ومسلمة.
فإذا لم تكن قادرًا على الاجتهاد في المسائل التي تعرض لك في الحياة
فلا أقل من أن تبذل جهدًا في اختيار ما تسمع،
ومن تسمع منهم،
ومن لا تسمع لهم،
وذلك أضعف الإيمان.
وهذا الابتلاء الذي ابتلى الله به أبناء عصرنا، حيث يستطيع الإنسان وهو جالس على أريكته في مواجهة التلفاز أن يتنقل بين مئات المحطات التي تعج بكل شيء،وكلها تستهدف أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا،
وبعضها يريد استحمارنا،
وبعضها يريد استعمارنا،
وبعضها يريد ابتزازنا،
ولا شك أنَّ بعضًا منها وهو الأقل يريد تعليمنا أو الرقي بوعينا وقوى إدراكنا،
بقي علينا أن نجتهد فيما نسمع وفيما ندع؛
لكي نستمع القول فنتبع أحسنه.