حمل طفلته الصغيرة على كتفيه وأمسك فى يده اليسرى زوجته التى تحمل رضيعا لا يتعدى عمره شهورا معدودة، و يمشى بجوارهما ابنهما الكبير الذى يقترب عمره من عشر السنوات، مصطفى محمد هو أب لثلاثة أطفال جاء بهم إلى ميدان التحرير بعدما ضاق به الحال على حد قوله، ولم يعرف طريقا للدفاع عن حقهم فى حياة كريمة سوى أن يأتى بهم ليعبر عن رفضه للنظام ويطالب برحيله.
مصطفى يعيش مع أسرته الصغيرة ووالده فى حجرة لا يزيد اتساعها عن عدة أمتار قليلة و دورة مياه مشتركه مع جيرانهم، زوجته قالت إنها لا تخشى على أولادها من الضرب ولكنها تخاف عليهم من الجوع الذى يطاردهم ليل نهار خاصة فى ظل عدم قدرة زوجها على العمل إثر إصابته فى قدمه وتركه العمل فى أحد أفران الخبز.
كلمات مصطفى استدعت بداخلى صرخة أطلقها أحد المتظاهرين فى يوم جمعة الغضب كان يرتدى بنطلونا وقميصا أكل عليهما الدهر وشرب.. وقف فى منتصف شارع طلعت حرب يصرخ بأعلى صوته "قولولى آكل من أين و أشرب من أين و اصرف على مراتى وعيالى منين؟ أنا مش لاقى اللقمة آكلها.. بعيش أنا وولادى ومراتى على الصدقات اللى بناخدها من الجوامع و الكنايس.. مش عارف حتى أشترى بطانية عشان أدفيهم بيها من البرد.. وفى الآخر الناس بتسأل: أنتم بتصرخوا ليه؟".
******
فى ذات الوقت كانت القنابل المسيلة للدموع يلقيها حوله رجال الأمن من كل مكان، وهو ثابت لا يعبأ سوى بصرخاته..
وبجواره وقف شاب آخر يتساءل بصوت عال "هو طعم اللحمة إيه؟
حد يقوللى طعمها إيه؟..
25 سنة منذ يوم ولادتى حتى الآن ما أعرفش شكلها".
*****
16 عاما هو عمر شاب آخر يدعى خالد كان جالسا فى أحد الخيام المتواجدة فى ميدان التحرير، لم يجد له فى الحياة سوى أخت أصغر منه بعامين تعيش مع أهل والده فى الصعيد، خالد الذى توفى والده و هو صغير وأمه تقضى عقوبة السجن، يعيش وسط المتظاهرين منذ تسعة أيام، يعتبرها أفضل أيام حياته لأنها عوضته شعور الوحدة التى كان يعانى منها من قبل.
السبب وراء مشاركته فى مظاهرات الغضب هو رغبته فى تغيير النظام حتى يستطيع المواطنون التخلص من الظلم أو الفقر أو البطالة، خالد قال بصوت ملىء بالمرارة "أكتر حاجة تعبتنى فى حياتى هو ظلم أمى ورميها فى السجن بدون ذنب بعد ما قام أحد المحامين بتلفيق قضية وصل أمانة لها، وعشان إحنا ناس غلابة ما لقيناش حد يجيب لنا حقنا.. بس خلاص أنا من دلوقتى قررت آخد حقى".
ويروى خالد مشهدا رآه بنفسه يوم الأربعاء الأسود جعله يقسم أنه لن يترك الميدان إلا بعد تحقيق أهداف الثورة وهو إصابة أحد المواطنين برصاصة فى ظهره، وقبل أن يموت طلب منه أن يغطيه بسرعة حتى لا يراه أحد، فيخاف ويتراجع عن استكمال مسيرة الثورة".