سمرة العضو المميز
عدد المساهمات : 302 تاريخ التسجيل : 01/12/2011
| موضوع: من ما اخبر به عن الفتن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الثلاثاء يوليو 02, 2013 1:45 am | |
|
من ما اخبر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
تعريف الفتن : الفتن : جمع فتنة ، قال الراغب : أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته ويستعمل في إدخال الإنسان النار . وقال ابن الأعرابي : الفتنة الاختبار ، والفتنة المحنة ، والفتنة المال.أ.هـ . وتطلق الفتنة على الاختبار والتمحيص وعلى الوقوع في المكروه وعلى الكفر وعلى العذاب وعلى الإحراق بالنار وعلى الجنون . والفتنة قد تكون بالأموال والأولاد وقد تكون بالنساء ، كما يطلق لفظ الفتنة على القتل وعلى الصد عن سبيل الله وعلى الضلال ، ومن الفتنة : ظهور البدع والشبهات ، كما في فتنة الخوارج وفتنة خلق القرآن وكما في فتنة العلمنة والتغريب .
الأحلاس جمع حلس، وهو ما يوضع فوق ظهر البعير ليقيه أثر القتب، أو الشداد الذي يوضع ليقعد عليه الراكب. قيل في التفسير: إنها سميت فتنة الأحلاس، لأنها تلزم الناس وتلصق بهم وتؤثر فيهم كلصوق الأحلاس في ظهور الإبل. ومعنى الحلس أن يلزم بيته ، فالحلس الكساء الذي على ظهر البعير لا يبرحه ، ويقال : حلس بالشيء ، لا يكاد يبرحه .
ابتدأت الفتن تطل برأسها على هذه الأمة بمقتل عمر - رضي الله عنه - الذي كان بابًا مغلقًا دون الفتن، فانكسر الباب بقتله، فلا يغلق إلى آخر الزمان؛ كما جاء التصريح بذلك في حديث حذيفة رضي الله عنه الذي أخرجه أحمد (5/386)، ومسلم في الإيمان باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، وأنه يأرز بين المسجدين (144).
وفي أخريات خلافة عثمان - رضي الله عنه - خرج الخارجون عليه، وثار الثائرون على سياسته وخلافته من دهماء الأعراب، ورعاع الناس، يقودهم في تلك الفتنة دعاة شر وضلال، فهب جمع من الصحابة لحمايته؛ ولكنه فدى الأمة بدمه، وأمر المنتصرين له بإغماد سيوفهم، ولزوم بيوتهم؛ حتى لا تكون فتنة، فقتله الخارجون عليه وهو يقرأ القرآن!! ومن يومها وقع السيف في هذه الأمة، وعظمت الفرقة، واشتد الخلاف، والتبس الحق بالباطل، فاعتزل أكثر الصحابة - رضي الله عنهم - الفتن المتلاحقة؛ كما قال محمد بن سيرين - رحمه الله تعالى -: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين"[ أخرجه الخلال في "السنة" (1/446) وعبدالله بن الإمام أحمد في "العلل" و"معرفة الرجال" (3/182)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" بعد أن ذكره: "وهذا الإسناد من أصح إسناد على وجه الأرض" (6/236).]. وقال الشعبي - رحمه الله تعالى -: "لم يشهد الجمل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - غير علي وعمار وطلحة والزبير فإن جاوزوا بخامس فأنا كذاب"[ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/538) برقم: (37782)، وعبدالله بن الإمام أحمد في "العلل" (3/45).].
* ومن الفتن التي حصلت: مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه - موقعة الجمل في خلافة علي رضي الله عنه - موقعة صفين أيضا في خلافة علي - ظهور فتنة الخوارج - موقعة الحرة - فتنة خلق القرآن - اتباع السنن الماضية
عن أبي كبشة . هو أبو كبشة السلولي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . يقول[ سمعت أبا موسى ]. أبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث مطابق لما تقدم، المقبول فيه لا يؤثر؛ لورود أحاديث في معناه منها: (كسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم) ، وحديث: (تكف لسانك ويدك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك، فلما قتل عثمان طار قلبي) ، وحديث: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي)، وحديث أبي بكرة (إنها ستكون فتن يكون المضطجع فيها خير من الجالس، والجالس خير من القائم، والقائم خير من الماشي ) ].
ومعنى الحلس أن يلزم بيته ، فالحلس الكساء الذي على ظهر البعير لا يبرحه ، ويقال : حلس بالشيء ، لا يكاد يبرحه .
وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قِسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل -يعني: على أحد منكم- فليكن كخير ابني آدم) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو متفق مع مواضع من مع الأحاديث التي مرت. [ قوله: (إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم) ]. القسي هي: الأقواس التي هي من أدوات الحرب في ذلك الوقت. قوله: [ (وقطعوا أوتاركم) ]، الأوتار هي للأقواس. قوله: [ (واضربوا سيوفكم بالحجارة)، ] معناه: حتى لا يكون عندكم سلاح، ولا يكون هناك مجال للمشاركة في الفتنة. قوله: [ (فإن دخل على أحد منكم) ] ، يعني: في بيته، وأريد قتله، فليكن كخير ابني آدم الذي قال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة:28-29].
وعن أبي موسى عن رسول الله قال : يكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا وعنه : قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : كونوا أحلاس بيوتكم (أبو داود (4/101) والحاكم (4/451) (الإيمان لابن أبي شيبة ص35.). ويشهد لحديث أبي موسى ما جاء عن أبي بكرة رفعه : إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيرا من الجالس .. إلى أن قال : يا رسول الله ما تأمرني ؟ قال : من كانت له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه (أبو داود (4/99) ومسلم في كتاب الفتن .). الحديث . وهذا أيضا يفيد الوجوب لأنه جاء أمرا بالاعتزال ولزوم البيت في الفتنة . ).
عن أبي كبشة قال: سمعت أبا موسى يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين أيدكم فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقد مر نظير هذا الحديث بهذا المعنى تماماً، وفيه التفاوت بين القاعد والقائم والماشي والساعي، وأن من الخير للناس أن يكونوا كأحلاس بيوتهم، وهنا قال: (يكون بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم)، (بين أيديكم) يعني: أمامكم، وفي مستقبل أيامكم تكون فتناً كقطع الليل المظلم من شدتها وصعوبتها.
ونقل أبو يحيى الفراء عن أحمد وسأله رجل عن حديث رسول الله في الفتن وقوله : خير الناس مؤمن معتزل يريد حديث أبي سعيد المذكور سابقا . فقال لأحمد : هل على الرجل بأس أن يعتزل في غنيمة له ينتقل من ماء إلى ماء ويعتزل الناس ، وهو على ذلك أفضل عندك أم يقيم في مصر من الأمصار وفي الناس ما قد علمت ، وفي العزلة من السلامة ما علمت ؟ فقال أحمد : إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء ، فأما ما لم تكن فتنة فالأمصار خير (التمام لأبي يعلى الفراء (1/306) .).
وقال ابن مسعود رضي اللّه عنه: ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيام الفتنة وأيام الهرج قلت: وما الهرج قال " حين لا يأمن الرجل جليسه " قلت: فيم تأمرني إن أدركت ذلك الزمان قال " كف نفسك ويدك وادخل دارك " قال: قلت يا رسول اللّه أرأيت إن دخل على داري قال " فادخل بيتك " قلت فإن دخل على بيتي قال " فادخل مسجدك واصنع هكذا " وقبض على الكوع " وقل ربي اللّه حتى تموت " وقال سعد - لما دعي الى الخروج أيام معاوية - لا. إلا أن تعطوني سيفاً له عينان بصيرتان ولسان ينطق بالكافر فأقتله وبالمؤمن فأكف عنه وقال: مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجة بيضاء فبينما هم كذلك يسيرون إذ هاجت ريح عجاجة فضلوا الطريق فالتبس عليهم فقال بعضهم الطريق ذات اليمين فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا وقال بعضهم ذات الشمال فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا وأناخ آخرون وتوقفوا حتى ذهبت الريح وتبينت الطريق فسافروا. فاعتزل سعد وجماعة معه فارقوا الفتن ولم يخالطوا إلا بعد زوال الفتن. وكان في الصحابة عشرة آلاف فما خف أيام الفتنة أكثر من أربعين رجلاً.
و عن عبد الله بن مسعود أيضا قال: "كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سرج الليل، جدد القلوب، خلقان الثياب، تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض".
حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي حدثنا شهاب بن خراش عن القاسم بن غزوان عن إسحاق بن راشد الجزري عن سالم حدثني عمرو بن وابصة الأسدي عن أبيه وابصة ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكر بعض حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: (قتلاها كلهم في النار) ، قال فيه: قلت: متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج، حيث لا يأمن الرجل جليسه، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك ويدك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك، فلما قتل عثمان رضي الله عنه طار قلبي مطاره، فركبت حتى أتيت دمشق، فلقيت خريم بن فاتك رضي الله عنه فحدثته، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود رضي الله عنه ].
أورد أبو داود حديث ابن مسعود وحديث خريم بن فاتك رضي تعالى الله عنهما وهو يتعلق بحديث أبي بكرة المتقدم قال: (قتلاها كلهم في النار) يعني: القاتل والمقتول كلهم في النار. قوله: [ قلت: متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج ]. الهرج الذي هو كثرة القتل. قوله: [ حيث لا يأمن الرجل جليسه ]. يعني: تكثر الخيانة وتقل الأمانة، ولا يأمن الإنسان جليسه، فقد يعتدي عليه، وقد يكون سبباً في الاعتداء عليه. قوله: [ قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك ويدك ]. يعني: لا تطلق لسانك في الفتنة ولا تمد يدك إليها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) . قوله: [ وتكون حلساً من أحلاس بيتك ]. يعني: تلازم البيت، والحلس هو الفراش والوطاء الذي يوضع في البيت، فهو ثابت في البيت حتى يحرك من مكانه، ويقال للإنسان: (حلس بيته) إذا كان ملازماً له كالفراش الذي هو ملازم للأرض ولا يتحرك منها إلا إذا حرك من مكان إلى مكان، وهذا فيه إشارة إلى الابتعاد عن الفتنة، وأن الإنسان لا يكون مع أهلها وإنما يكون ملازماً لبيته. قوله: [ فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره ]. يعني: حصل خوف من أن تكون هذه هي الفتنة قد وقعت، وقد حصلت. قوله: [ فركبت حتى أتيت دمشق فلقيت خريم بن فاتك فحدثته فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ].
عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك)، -فذكر الحديث، قال فيه-: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف- يعني: القبر-؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله، قال: عليك بالصبر، أو قال: تصبر، ثم قال لي: يا أبا ذر ! قلت: لبيك وسعديك، قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: عليك بمن أنت منه، قلت: يا رسول الله! أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذن قلت: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت: فإن دخل عليَّ بيتي، قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه). أخرج أبو داود حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه برويات كثيرة :
الشرح
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر) نداء له حتى يكون متهيئاً ومستعداً لما سيلقى عليه، وقول أبي ذر رضي الله عنه في جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لبيك يا رسول الله وسعديك) هذه إجابة يجيب بها من دعي وهي إجابة حسنة جميلة فيها أدب، ولبيك بمعنى: الإجابة، أي: أن من ينادى يجيب بهذا الجواب وهو جواب حسن، معناه: نعم أنا أجيبك وأنتظر لما تريد، أو مستعد لما تريد مني،
وهذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يجعل ذلك المنادى على انتباه وتأهب لإلقاء الشيء الذي سيقوله له، بخلاف ما لو قال: كذا وكذا قبل أن يقول ذلك فإنه لا يكون مثل الأول في التهيؤ والاستعداد لتلقي ما يلقى عليه ولاستيعاب ما يلقى عليه.
والسؤال قوله: [ (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف -يعني: القبر-؟)، البيت هنا المقصود به القبر يكون بالوصيف، وفسر الوصيف بأنه القبر نفسه، يعني: لا يوجد مكان يقبر فيه فيحتاج الناس إلى أن يشتروا مكاناً يقبرون فيه، والوصيف هو العبد، معناه: أن القبر سيكون شيئاً ذا قيمة وفسر أيضاً بأن الناس يشغلون عن دفن موتاهم حتى يكون الذي يتولى ذلك شخص تكون أجرته على ذلك أن يعطى عبداً،
وهناك تفسير آخر ذكره في عون المعبود قال: وقيل معناه: أن البيوت تصير رخيصة لكثرة الموت وخلو أهلها منها، وتباع من ورائهم رخيصة فتكون قيمة البيت رخيصة كقيمة العبد هذه أقوال قيلت في تفسير أن البيت يكون بالوصيف. وقيل أيضاً: معناه: أنه لا يبقى في كل بيت كان فيه كثير من الناس إلا عبد يقوم بمصالح ضعفة أهل ذلك البيت، يعني: ليس كلهم هلكوا، وإنما هلك كثير منهم وبقي أناس ضعفاء يقوم على خدمتهم ذلك العبد.
ويؤيد التفسير الأول ما ورد في رواية مشكاة المصابيح: (كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد، حتى إنه يباع القبر بالعبد). البيت يقال له: بيت؛ لأنه منزل، كما أن بيوت الناس التي يسكنونها في الدنيا يقال لها: منازل وبيوت، والقبر يقال له بيت لأنه مسكن للميت يكون فيه؛
ولهذا جاء عن المعمر بن علي البغدادي الذي توفي سنة خمسمائة وسبع من الهجرة، وكان قد نصح زعيماً كبيراً في الدولة، وكان الملك قد فوض إليه أمور الدولة، فكان مما نصحه المعمر بن علي البغدادي وهي نصيحة بليغة عظيمة، قال له بعد أن سلم عليه ودعا له: إن من كان في ولاية فإنه ليس مخيراً بالقاصد والوافد، إن شاء وصل وإن شاء فصل، وإنما عليه أن يفتح بابه، وأما من كان ليس في ولاية فهو مخير إن شاء فتح بابه وإن شاء أغلق بابه؛ لأنه غير مسئول، ثم قال: لأن من كان على الخليقة أمير فهو في الحقيقة أجير، قد باع زمنه وأخذ ثمنه، فلم يكن له في نهاره ما يتصرف فيه باختياره، وليس له أن يصلي نفلاً ولا أن يدخل معتكفاً ؛ لأنه أصبح مسئولاً ومرتبطة به حاجات الناس فلا يفعل النوافل ويترك الفرائض؛ لأن القيام بمصالح الناس فرض، وكونه يعتكف أو يصلي هذا نفل، أو يصلي نفلاً غير واجب، والفرض يقدم على النفل.
وهذه قصة جميلة ذكرها الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة المعمر بن علي البغدادي وذكر أيضاً أنه لما نصحه أعطاه مقداراً كبيراً من الدنانير، وقال: وزعها على المساكين، فامتنع عن أخذها وقال: المساكين على بابك أكثر منهم على بابي. قوله: [ قال: (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف- يعني: القبر-؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله) ]. يعني: الله ورسوله أعلم، أو ما اختار الله لي ورسوله، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يخبره بشيء يسلكه، وطريق يتخذه وعمله يعمله. قوله: [ (قال:عليك بالصبر)]،
يعني: هذا الذي عليه أن يفعله، (عليك بالصبر أو قال: تصبر) . قال في عون المعبود: تصبّر، يعني: عليك أن تصبَّر، واعمل أو اجتهد في حصول التصبر الذي يكون بمثابة معالجة ومجاهدة النفس على الصبر وعدم المشاركة في الفتنة. قوله: [ (ثم قال لي: يا أبا ذر ! قلت: لبيك وسعديك، قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟!)]
، أحجار الزيت مكان حول المدينة، وفسر هذا بفتنة الحرة التي حصلت على يد شخص يقال له: مسلم بن عقبة المري . قوله: [ (قلت: ما خار الله لي ورسوله قال: عليك بمن أنت منه) ]، لا أدري ماذا يراد بها، اللهم إلا أن يكون المقصود به ملازمة الأرض؛ لأن الإنسان من الأرض، ومثل هذا يقال له: ما أنت منه؟ لأن من للعاقل، وما لغير العاقل، فلا أدري ما المراد بها،
وقال بعد ذلك: (تلزم بيتك)، يعني: جاء التوضيح فيما بعد أنه يلزم بيته ويكون حلساً من أحلاس بيته. قال العظيم أبادي : (عليك بمن أنت منه) أي: الزم أهلك وعشيرتك الذين أنت منهم. والمقصود من ذلك أنه يلزمهم، ويبقى معهم في البيت، ويكون مع من بقي ولم يشتغل في الفتنة، لكن كونه في يوم إذا أهله شاركوا في الفتنة لا يكون معهم، ولكن المقصود من ذلك: أنهم إذا ابتعدوا عن الفتنة ولزموا الأرض فأنت الزمها معهم، أما كونه يكون معهم حيث كانوا فقد يشارك، اللهم إلا إن كان المقصود به النساء والصغار الذين هم ليسوا من أهل المشاركة، وإنما هم باقون في البيوت، والحاصل أنه يبقى في البيوت مع من لا يقاتل. وقيل المراد (بمن أنت منه) : أي: الزم إمامك ومن بايعته،
وكذلك أيضاً هذا المعنى مستقيم. قوله: [ (قلت: يا رسول الله! أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: قد شاركت القوم إذاًَ) ] ما دام أنه أخذ السيف ووضعه على عاتقه فقد وجدت المشاركة، ويدل على المشاركة كون الإنسان يضع سيفه على عاتقه، فهو مستعد أنه يقابل، ومستعد أنه يلاقي. قوله: [ (قال: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت: فإن دخل علي بيتي؟ قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه) ]. قوله: [ (يبهرك شعاع السيف) يعني: شعاعه وبريقه ولمعانه، (فضع ثوبك على وجهك) حتى لا ترى هذا الشيء، وإذا قتلك فقد باء بإثمك وإثمه، وأنت تكون من أهل الجنة وهو من أهل النار. [ أبو داود :والحديث صححه الألباني
جاء حذيفة إلى عثمان ليودعه أو يسلم عليه فلما أدبر قال: ردوه فلما جاء قال: ما بلغني عنك بظهر الغيب؟ فقال : والله ما أبغضتك منذ أحببتك ولا غششتك منذ نصحت لك . قال: أنت أصدق منهم وأبر انطلق فلما أدبر . قال: ردوه . قال : ما بلغني عنك بظهر الغيب ؟ فقال حذيفة: بيده هكذا ما بلغني عنك بظهر الغيب أجل , والله لتخرجن إخراج الثور ثم لتذبحن ذبح الجمل .قال : فأخذه من ذلك أفكل فأرسل إلى معاوية فجيئ به يدفع . قال : هل تدري ما قال حذيفة : والله لتخرجن إخراج الثور ولتذبحن ذبح الجمل فقال : أولها لعثمان . ابن أبي شيبة(7|518)
. قال حذيفة حين قتل عثمان: اللهم إن كانت العرب أصابت بقتلها عثمان خيرا أو رشدا أو رضوانا فإني بريء منه , وليس لي فيه نصيب , وإن كانت العرب أخطأت بقتلها عثمان فقد علمت براءتي. قال: اعتبروا ما أقول لكم , والله إن كانت العرب أصابت بقتلها عثمان لتحتلبن به لبنا , ولئن كانت العرب أخطأت بقتلها عثمان لتحتلبن به دما . ابن أبي شيبة(7|523)
عن حذيفة رضي الله عنهع قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ؟ فقال : ( علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن أخبركم بمشاريطها ، وما يكون بين يديها ، إن بي يديها فتنة وهرجا ) قالوا : يا رسول الله ! الفتنة قد عرفناها ، فالهرج ما هو ؟ قال : ( لسان الحبشة : القتل . ويلقى بين الناس التناكر ، فلا يكاد أحد أن يعرف أحدا ) رواه أحمد.
عن حذيفة قال : إياك و الفتن لا يشخص لها أحد فو الله ما شخص منها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن إنه مشبهة مقبلة حتى يقول الجاهل : هذه تشبه مقبلة , و تتبين مدبرة فإذا رأيتموها فاجتمعوا في بيوتكم و اكسروا سيوفكم و قطعوا أوتاركم و غطوا وجوهكم . عبد الرزاق (11|359) والحاكم (4|495) وصححه ووافقه الذهبي وأبو نعيم في الحلية(1|273) والمروزي في الفتن (1|140) عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض لا يؤخذ الرجل بجريرة أخيه ولا بجريرة أبيه. الطيراني في الأوسط (4|269)
وللحديث شواهد عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. البخاري (7077) ابن ماجه (4014) وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. البخاري( 7079) الترمذي (2193) وعن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : استنصت الناس ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. البخاري (7180) ابن ماجه (4013) وعن أبي رمثة قال : انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي : ابنك هذا ؟ قال : إي ورب الكعبة قال : حقا ؟ قال : أشهد به. قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا من ثبت شبهي في أبي , ومن حلف أبي علي ثم قال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه , وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ولا تزر وازرة وزر أخرى }. أبو داود (4495) وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ولا يؤخذ الرجل بجريرة أبية ولا بجريرة أخيه . النسائي في المجتبى (7|127)
عن زيد بن وهب عن حذيفة قال : وكلت الفتنة بثلاثة بالحاد النحرير الذي لا يريد ان يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف وبالخطيب الذي يدعو إليه الأمور وبالشريف المذكور فأما النحرير فتصرعه , وأما هذان فتجثهما فتبلو ما عندهما. ابن أبي شيبة (7|450) والداني في السنن الواردة في الفتن(1|229) وإسناده صحيح
عن شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن الرواع عن حذيفة قال : تكون فتنة تقبل مشبهة وتدبر مميتة ؛ فإن كان ذلك فالبدوا يجود الراعي على عصاه خلف غنمه لا يذهب بكم السيل . ابن أبي شيبة(7|451)
قال أعلم الصحابة بالفتن، وأمينُ سِرِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، حذيفه بن اليمان - رضي الله عنهما -: "أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبةٍ من حُبِّ قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره
(أخرجه بهذا اللفظ ابن عساكر في تاريخه (39-447) ونقله عنه ابن كثير في البداية والنهاية (7-154) وهو في تاريخ الخلفاء للسيوطي(162) وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: "أول الفتن قتل عثمان، وآخرها الدجال" (7-264) وأخرجه عمر ابن شبه في أخبار المدينة (22102209) والفسوي في المعرفة والتاريخ(2-88).
و كما جاء في حديث حذيفه - رضي الله عنه - وفيه: أن حذيفة قال لعمر - رضي الله عنهما - لما سأله عن الفتنة التي تموج موج البحر: "ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: لا بل يكسر، قال عمر: إذاً لا يغلق أبداً فلما كسر الباب بقتله انطلقت الفتن في هذه الأمة، فلا تقف إلا بقتل الدجال، ثم هلاك يأجوج ماجوج في آخر الزمان."(أخرجه البخاري في الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر (6683) ومسلم في الفتن وأشراط الساعة باب في الفتنة التي تموج كموج البحر(144)1)
لقد كان الخروج على عثمان - رضي الله عنه - وقتله أعظم فتنةٍ ابتلي بها المسلمون في صدر هذه الأمة، ورغم أن عمر أفضل من عثمان وهو مقتول أيضاً؛ فإن قتل عثمان كان أشدَّ وطأةً على المسلمين، - رضي الله عنهما - وأرضاهما؛ فقاتل عمر - رضي الله عنه - فرد مجوسي كافر، أكله الحقد، وأعماه الحسد، وما ادعى بقتل عمر إصلاحاً.. أما قتلة عثمان فمسلمون داخلتهم الشبهات، وتشربتهم الفتن والأهواء، في جمع غفير من الرعاع والدهماء، زعموا بالخروج على الخليفة وقتله صلاح المسلمين، وهو الفساد عينه!!.
ورغم ما مرّ بأمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - من مصائب وحروب وفتن فإنه ما نسي مقتل عثمان - رضي الله عنه -، وتذّكره وهو يقابل أعداءه في موقعة الجمل لقتالهم، قال قيس بن عباد: "سمعت علياً - رضي الله عنه - يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة، فقلت: والله إني لأستحيي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة، وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صُدِع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى"(أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي(3-95).). كان أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وقت مقتل عثمان - رضي الله عنه - في الطريق إلى المدينة عائدات من الحج، فلما بلغهن الخبر رجعن إلى مكة، وأقمن بها أربعة أشهر إلى أن خفَّ ألم المصيبة(البداية والنهاية(7-156). ).
ما كان الصحابة - رضي الله عنهم - ليُفجعوا بمقتل عثمان هذه الفجيعة العظيمة لولا علمهم أن لهذا الحدث ما وراءه، فما كان لأمةٍ أن تخرج على سلطانها، وتقتل خليفتها، ثم تأمن بعد ذلك! لقد أدرك الصحابة والتابعون رضي الله عن جميعهم حجم هذه الكارثة، وعلموا مقدار تلك الفتنة؛ فكانت فجيعتهم على قدر الحدث، ووصفهم لآثاره وقع كما ظنوا، وإليك طرفاً من أقوالهم يوضح حجم هذه الكارثة: قال التابعي الجليل زيد بن صُوحان - رحمه الله تعالى -: "يوم قُتِلَ عثمانُ نفرت القلوب منافرها، والذي نفسي بيده لا تتألف إلى يوم القيامة"
و سمع عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - رجلاً يقول لآخر: "قتل عثمان ابن عفان فلم ينتطح فيه عنزان، فقال ابن سلام - رضي الله عنه -: أجل! إن البقر والمعز لا تنتطح في قتل الخليفة، ولكن ينتطح فيه الرجال بالسلاح، والله لتُقْتَلَنَّ به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد ووقع الأمر كذلك، نسأل الله العافية.
و كان حذيفة - رضي الله عنه - إذ ذاك مريضاً مرضه الذي توفي فيه، ولم يعلم بالأمر، فسمع رجلاً يناجي امرأته، ففتح عينيه فسألهما: "ماذا تقولان؟ فقالا: خير، فقال: إن شيئاً تُسِرَّانه دوني ما هو بخير! قال: قتل الرجل يعني عثمان قال: فاسترجع حذيفة ثم قال: اللهم إني كنت من هذا الأمر بمعزل، فإن كان خيراً فهو لمن حضره وأنا منه بريء، وإن كان شراً فهو لمن حضره وأنا منه بريء، اليوم نفرت القلوب بأنفارها، الحمد لله الذي سبق بي الفتن قادتها وعلوجها، الحظي من تردى بعيره، فشبع شحماً وقلَّ عمله
ورأى التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني - رحمه الله تعالى -الوفد الذين قدموا من قتلة عثمان سألهم فقال: "أما مررتم ببلاد ثمود؟ قالوا: نعم، قال: أشهد أنكم مثلهم؛ لخليفة الله أكرم عليه من ناقته"(
و قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبناً، ولكنه كان ضلالاً، فاحتلبت به الأمة دماً"(
إن هذه الأقوال المتظافرة من الصحابة وكبار التابعين في فتنة مقتل عثمان لتدل على فهم سلفنا الصالح للواقع مع فقههم للنصوص وأنهم انطبق عليهم وصف فتنة الاحلاس ، وتثبت أنهم - رضي الله عنهم - كانوا يدركون حجم الفتنة، وآثارها السيئة في الأمة وأثارها الملازمة لها ، وأن دم عثمان - رضي الله عنه - الذي أهريق ظلماً وعدواناً ستتبعه دماء كثيرة لن يتوقف نزيفها إلا بخروج الدجال؛ فوقع الأمر كذلك في القرون الماضية في كثير من الأمصار، ومنذ مقتل عثمان - رضي الله عنه - وفتن الدماء يأخذ بعضها برقاب بعض إلى يومنا هذا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "ولم تحدث في خلافة عثمان بدعة ظاهرة، فلما قُتل وتفرَّق الناس حدثت بدعتان متقابلتان: بدعةُ الخوارج المكفرين لعلي، وبدعةُ الرافضة المدعين لإمامته وعصمته أو نبوته أو إلاهيته، ثم لما كان في آخر عصر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبدالملك حدثت بدعة المرجئة والقدرية، ثم لما كان في أول عصر التابعين في أواخر الخلافة الأموية حدثت بدعة الجهمية المعطلة، والمشبهة الممثلة، ولم يكن على عهد الصحابة شيء من ذلك" ا هـ كلامه["منهاج السنة النبوية" (6/231). ]. روي عن علقمة بن وقاص الليثي قال: لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان عرجوا عن منصرفهم بذات عرق فاستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن فردوهما قال ورأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على زوره فقلت يا أبا محمد إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها إن كنت تكره هذا الأمر فدعه فقال يا علقمة لا تلمني كنا أمس يدا واحدة على من سوانا فأصبحنا اليوم جبلين من حديد يزحف أحدنا إلى صاحبه ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان مما لا أرى كفارته إلا سفك دمي وطلب دمه. قلت الذي كان منه في حق عثمان تأليب فعله باجتهاد ثم تغير عندما شاهد مصرع عثمان فندم على ترك نصرته رضي الله عنهما، وكان طلحة أول من بايع عليا أرهقه قتلة عثمان وأحضروه حتى بايع، قال البخاري حدثنا موسى بن أعين حدثنا أبو عوانة عن حصين في حديث عمرو بن جاوان قال التقى القوم يوم الجمل فقام كعب بن سور معه المصحف فنشره بين الفريقين وناشدهم الله والإسلام في دمائهم فما زال حتى قتل وكان طلحة أول قتيل وذهب الزبير ليلحق ببنيه فقتل.
كان طلحة رضي الله عنه ممن سبق إلى الإسلام وأوذي في الله ثم هاجر فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته فضرب له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بسهمه وأجره قال أبو القاسم بن عساكر الحافظ في ترجمته كان مع عمر لما قدم الجابية وجعله على المهاجرين وقال غيره كانت يده شلاء مما وقى بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله"
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله إهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد.
قال ابن أبي خالد عن قيس قال رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد شلاء (أخرجه البخاري)
له عدة أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وله في مسند بقي بن مخلد بالمكرر ثمانية وثلاثون حديثا، له حديثان متفق عليهما وانفرد له البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة أحاديث حدث عنه بنوه يحيى وموسى وعيسى والسائب بن يزيد ومالك بن أوس بن الحدثان وأبو عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم ومالك بن أبي عامر الأصبحي والأحنف بن قيس التميمي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وآخرون
قال الترمذي حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو عبد الرحمن نضر بن منصور حدثنا عقبة بن علقمة اليشكري سمعت عليا يوم الجمل يقول سمعت من في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول طلحة والزبير جاراي في الجنة
وروي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال لما كان يوم أحد سماه النبي (صلى الله عليه وسلم) طلحة الخير وفي غزوة ذي العشيرة طلحة الفياض ويوم خيبر طلحة الجود.
قال مجالد عن الشعبي عن قبيصة بن جابر قال صحبت طلحة فما رأيت أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه.
وروي عن موسى بن طلحة أن معاوية سأله كم ترك أبو محمد من العين قال ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم ومن الذهب مائتي ألف دينار فقال معاوية عاش حميدا سخيا شريفا وقتل فقيدا رحمه الله.
وأنشد الرياشي لرجل من قريش:
أيا سائلي عن خيار العباد صادفت ذا العلم والخبرة
خيار العباد جميعا قريش وخير قريش ذوو الهجرة
وخـير ذوي الهجرة السابقون ثمانية وحدهم نصرة
عـلي وعثمان ثم الزبير وطلـحة واثنان من زهرة
وبـران قد جـاورا أحمدا وجاور قبرهـهما قبـره
فمن كان بعـدهم فاخرا فلا يذكـرن بعـدهم فخـره
فإن وجدت جليساً يذكرك اللّه رؤيته وسيرته فالزمه ولا تفارقه واغتنمه ولا تستحقره فإنها غنيمة العاقل وضالة المؤمن.
والعزلة فضلها رسول الله ، وفضلها جماعة العلماء والحكماء ، لا سيما في زمن الفتن وفساد الناس . وقد يكون الاعتزال عن الناس مرة في الجبال والشعاب ، ومرة في السواحل والرباط ومرة في البيوت . وقد جاء في غير هذا الحديث : ( إذا كانت الفتنة فأخف مكانك وكف لسانك ) ولم يخص موضعا من موضع . وقال رسول الله لابن عمرو : ( إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وخفت أماناتهم ، فالزم بيتك واملك عليك لسانك ، وخذ مـا تعرف ودع ما تنكر ) . وعن بكير بن الأشج : أن رجالا من أهل بدر ، لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان ، فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم .
بل أراد بقوله : ( يفر بدينه من الفـتن ) جميع أنواع الفتن ، وفي ذلك دليل على فضل العزلة والانفراد في آخر الزمان كزماننا ..
.وعن أبي بردة قال : دخلت على محمد بن مسلمة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان كذلـك فـأتِ بسيفـك أُحُـــداً فـاضـربه حتى ينقطع ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة ، أو منيّة قاضية" . رواه مسلم .ولما قتل عثمان رضي الله عنه خرج سلمة بن الكوع من المدينة إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً فلم يزل بالربذة حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة . رواه البخاري ومسلم . كما رُوي ذلك عن علي رضي الله عنهم مرفوعاً: تكون فتن: قيل: ماالمخرج يا رسول الله؟ قال :" كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل مابينكم " .وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيهقال: لما وقع من أمر عثمان ما كان وتكلم الناس في أمره أتيت أبي بن كعب فقلت: أباالمنذر ما المخرج ؟ قال: كتاب الله ).
قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص: لما ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفتن ووصفها وقال " إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وخفت أماناتاهم وكانوا هكذا - وشبك بين أصابعه - قلت: فما تأمرني فقال " الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر الخاصة ودع عنك أمر العامة "
وروي عن يحيى القطان عن عوف حدثني أبو رجاء قال رأيت طلحة على دابته وهو يقول أيها الناس أنصتوا فجعلوا يركبونه ولا ينصتون فقال أف فراش النار وذباب طمع.
قال ابن سعد أخبرني من سمع إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: قال طلحة إنا داهنا في أمر عثمان فلا نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى.
وروي عن وكيع حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم فوقع في ركبته فما زال ينسح حتى مات.
وروي عن عبد الله بن إدريس عن ليث عن طلحة بن مصرف أن عليا انتهى إلى طلحة وقد مات فنزل عن دابته وأجلسه ومسح الغبار عن وجهه ولحيته وهو يترحم عليه وقال ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة.
وروى زيد بن أبي أنيسة عن محمد بن عبد الله من الأنصار عن أبيه أن عليا قال بشروا قاتل طلحة بالنار.
وروي عن عن أبي حبيبة مولى لطلحة قال دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد وقعة الجمل فرحب به وأدناه ثم قال إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك ممن قال فيهم ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين (الحجر:15) فقال رجلان جالسان أحدهما الحارث الأعور الله أعدل من ذلك أن يقبلهم ويكونوا إخواننا في الجنة قال قوما أبعد أرض وأسحقها فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة يا ابن أخي إذا كانت لك حاجة فائتنا.
وروي عن اسحاق بن يحيى عن جدته سعدى بنت عوف قالت قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم ومائتا ألف درهم وقومت أصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم.
وكان قتله في سنة ست وثلاثين في جمادي الآخرة وقيل في رجب وهو ابن ثنتين وستين سنة أو نحوها وقبره بظاهر البصرة.
قال يحيى بن بكير وخليفة بن خياط وأبو نصر الكلاباذي إن الذي قتل طلحة مروان بن الحكم ولطلحة أولاد نجباء أفضلهم محمد السجاد كان شابا خيرا عابدا قانتا لله ولد في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) قتل يوم الجمل أيضا فحزن عليه علي وقال صرعه بره بأبيه.
عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم و تجتلدوا بأسيافكم . ويرث دنياكم شراركم. ابن ماجه (4043) والترمذي (2170) وأحمد (5|389) والفتن للمروزي (1|49) وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (1|289) وعن أشعث بن سليم قال: سمعت رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل قال: ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يجد.
ويشهد لذلك حديث ابن عباس عن رسول الله : خير الناس في الفتن رجل آخذ بعنان فرسه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه ، أو رجل معتزل في باديته يؤدي حق الله تعالى الذي عليه (الحاكم في المستدرك (4/446) .). | |
|