حين اخبرتني طاهرة الشغالة ان بياع انابيب الغاز يريد مقابلتي استغربت، ما الذي يريده مني عامل الغاز؟ اخبرتني ووجهها متضرج بالحمرة:
- عايزك في موضوع كده!
قالت لي اختي التي تصغرني بعامين مبتسمة عندما سألتها:
- جاي يخطب طاهرة.
- مني انا؟!
كان عمري وقتها لايتجاوز العشرين، واقيم مع اختي في المدينة الكبيرة للدراسة، لم ادر ماذا افعل.
في المساء جاء الخاطب، اعلن بأختصار بعد ان جلس:
- عاوز طاهرة، عندي مطرح وسرير ودولاب، وحادفع اربعين جنيه.
- طيب اسمك ايه؟
- احمد.
- طيب يا احمد، حاقول لأبوها.
جاء الأب بعد اسبوع، واعاد احمد عرضه:
- عاوز طاهرة وعندي مطرح ودولاب وحادفع اربعين جنيه!
اعلن الأب:
-لا يمكن اقل من خمسين.
- معايا اربعين بس.
- اللي معهوش ما يلزموش!
قام الخاطب والقى التحية وانصرف، كانت طاهرة تبكي في المطبخ، نهرها الأب قائلا:
- حاجوزك سيده .
انصرف وعاد بعد اسبوع ومعه رجل في الأربعين من عمره يحمل كيسا به برتقال، قدمه لنا:
- عريس طاهرة.
واخذ حسابها واخذاها ومضيا بها، بعد ان تركا كيس البرتقال.
بعد سنة جاءتنا طاهرة تحمل رضيع، قصت علينا ان لها ضرة وانهما يعيشان في بيت واحد وان زوجها يسمح لهما بخناقة واحدة فقط كل اسبوع، روت لنا قصصا كثيرة عن علاقتها مع ضرتها وهي تضحك، لكنها حين سمعت الدق على الأنابيب ارتبكت وصمتت ثم قامت معلنة انها ستشتري شيئا، نزلت مسرعة وحين عادت كانت ساهمة، لم نخبرها ان احمد ترك المنطقة بعد ذهابها بقليل.
من حين لأخر ولسنوات دراستنا كانت تأتي الينا وتنزل كلما سمعت الدق حتى بعد ان عرفت ان احمد لم يره احد منذ ذهابها، كانت تعود في كل مرة ساهمة حزينة تلمع في عينيها الدموع، الدموع الموجعة ذاتها التي ذرفتها يوم رفض ابوها حبيبها لاجل العشرة جنيه، بعد كل تلك السنين.
بعد نزولها في احد المرات سألت اختي متفلسفا:
- ايه عمر الذكريات؟
فردت على بضيق :
- ليه ما دفعتش العشرة جنيه؟
لم ادر بما اجيبها.
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
*أحدى قصص مجموعة (منارة الأرواح)