ق
صة موسى وفرعونسورة هود (11): الآيات 96 الى 99]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
تفسير المفرداتالآيات: هي الآيات التسع المعدودة في سورة الإسراء والمفصّلة في سورة الأعراف وغيرها، والسلطان المبين: هو ما آتاه الله من الحجة البالغة في محاوراته مع فرعون وملئه، والملأ: أشراف القوم وزعماؤهم، وما أمر فرعون: أي ما شأنه وتصرفه، برشيد: أي بذي رشد وهدى، وقدم يقدم (كنصر ينصر): تقدم، فأوردهم النار: أي أدخلهم إياها، والورد بلوغ الماء في مورده من نهر وغيره، والمورود: الماء والمراد به هنا النار، وأتبعوا: أي وألحقت به لعنة، والرفد: (بالكسر): العطاء والعون فيقال رفده وأرفده: أعانه وأعطاه، والمرفود: المعطى.
المعنى الجمليذكر سبحانه في هذه الآيات قصص موسى مع فرعون وملئه للإعلام بأن عاقبة فرعون وأشراف قومه اللعنة والهلاك ككفار أولئك الأقوام الظالمين وإن كان عذاب الخزي وهو الغرق في البحر لم يعمّ جميع قومه، بل لحق من اتبع موسى وسار أثره للأسباب التي سلف ذكرها في سورة الأعراف.
الإيضاح(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي ولقد أرسلنا موسى إلى فرعون وملئه مصحوبا بآيات بينات دالة على توحيد الله، وفيها السلطان المبين، والحجة الواضحة على صدق نبوته، وإنما خص الملأ بالذكر وقد أرسل إلى قومه جميعا، لأنهم أهل الحل والعقد والاستشارة في دولته، ويعهد إليهم يتنفيذ ما يقرره من الأمور، فغيرهم يكون تبعا لهم في كل ما يأتون ويذرون.
(فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) في كل ما قرره من الكفر بموسى وردّ ما جاءهم به من عند الله، وتشديد الظلم على بني إسرائيل بتقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم إلى نحو أولئك مما جاء في السور الأخرى مفصلا.
(وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) أي وما شأنه وتصرفه بصالح حميد العاقبة، بل هو محض غي وضلال، ظلم وفساد، لغروره بنفسه، وكفرانه بربه، وطغيانه في حكمه.
ثم ذكر جزاءه مع قومه في الآخرة فقال:
(يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) أي يتقدم قومه يوم القيامة ويكونون تبعا له كما كانوا تابعين في الدنيا إلا من آمن، فيوردهم جهنم معه: أي يدخلهم إياها.
وقد ورد أن آله يعرضون على النار منذ ماتوا صباحا ومساء من كل يوم كما قال تعالى: « وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ».
(وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) أي وبئس الورد الذي يردونه النار، لأن وارد الماء إنما يرده لتبريد كبده وإطفاء غلّته من حر الظمأ، ووارد النار يحترق فيها احتراقا.
قال ابن عباس رضي الله عنه في الآية: الورود الدخول وقد ذكر في أربعة مواضع:
في هود « وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ » وفى مريم « وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها » وفى الأنبياء « حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ » وفى مريم أيضا « وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْدًا » وكان يقول: والله ليردنّ جهنم كلّ برّ وفاجر « ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا ».
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي وألحقت بهم لعنة عظيمة ممن بعدهم من الأمم، ويوم القيامة أيضا يلعنهم أهل الموقف جميعا فهي تابعة لهم حيثما ساروا، ودائرة أينما داروا.
والآية بمعنى قوله: « وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ » وقد سمى الله هذه اللعنات رفدا تهكّما بهم فقال:
(بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي بئس العطاء المعطى هذه اللعنة التي أتبعوها في الدنيا والآخرة.
وفي الآيات من العبرة أن في البشر فراعنة كثيرين يغوون الناس ويستعبدونهم، فيطيعونهم ويذلّون لهم ذل العبيد، ولا تفيدهم هداية القرآن شيئا. ومنهم من يدّعون الإسلام ولا يفقهون قول الله لرسوله في آية مبايعة النساء (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)
وقوله
« لا طاعة لأحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ».
الجزء التالى اضغط هنا على العنوانتفسير المراغي/سورة هود من الأية 100 إلى الأية 123 الختام