في ذكر بعض ما وقع للحيوان من أمور العشق في اختلاف الأزمان]
حكى الشيخ قدس الله سره أن أعظم الحيوان إدراكاً من ذوات الأربع الخيل وأنها أقرب من غيرها إلى مزاج الانسان وقد بسطنا أحوال الحيوانات وما بينها من الاختلاف والاتفاق والقرب والبعد في كتب الزردقة.
والخيل أحسن الحيوانات مزاجاً وإدراكاً حتى أنها لا تنزو على محرم أبداً، قال الشيخ جيء لحصان بأخته مبرقعة فلما نزل عنها انكشف الثوب فعرفها فجعل يجري حتى ألقى نفسه من جبل شاهق فتقطع.
وفي لطالف الأسرار أن رجلاً من أصفهان ولدت عنده فرس حصاناً وأخرى أنثى فأتلفا فكان إذا فرق بين واحدة وأخرى لا تمشي كل منهما ولا تأكل ولا تشرب وتصيح حتى تجتمعا، قال وربما كان يطرح الأكل للواحدة قبل الأخرى فلم تذقه حتى يطرح للأخرى، قال وشاهدت إحداهما تدفع بيدها حشيشاً إلى الأخرى، وأن إحداهما مغلت فقصدها البيطار، فلما رأت الأخرى الدم قطعت الرباط فجاءت فمرغت نفسها فيه حتى سقطت ميتة، فلما رأتها المقصودة طرحت نفسها عليها فإذا هي ميتة.
وحكى فيه أيضاً أن ملك الهند بعث إلى صاحب بخاري بفيل فأحسن خدمته، فلما كان يوم حرب بينه وبين قندهار وهم يركبون الأفيال يقاتلون على ظهورها. خرج به فحين اصطفوا نظر الفيل إلى فيل آخر في ذلك العسكر فغلم حتى طرح ما عليه واخترق الصفوف حتى جاءه فانطرحا إلى الأرض وجعل كل منهما فنطيسته على الآخر وجاء الناس ليفرقوا بينهما فإذا هما ميتان.
وفي اللطائف أيضاً أن غزالاً كان يأوي إلى محل في جبل وأن شخصاً رآه يتردد إلى ذلك المحل فتبعه فرأى وعلاً في غار وبيده ألم لا يمكنه المشي ورأى مع الغزال قطفاً من عنب وهو يلقيه في فم الوعل فانصرف عنهما.
وحكى فيه أيضاً عن شخص بغدادي خرج في بعض أسفاره فبينما هو جالس في القيلولة وقد بسط سفرة ليأكل وإذا بكلب أقبل فأخذ رغيفاً فقام وتبعه حتى انتهى إلى غار فإذا فيه كلبة قد عطلت عن الحركة فجعل يكسر الرغيف ويضع في فمها ويترضاها فتعجب التاجر وانصرف.
وحكى الجاحظ أن ملكاً من أقيال اليمن اعتنى بكلب فكان يلبسه الحرير ويطوقه الذهب ويجعله معه حيث كان فألفه الكلب حتى كان إذا غاب لا يستقر فاعتراه يوماً ضعف فخرج الملك إلى الصيد وتركه في المطبخ وكان قد أوصى أن يطبخ له أرز بلبن، فجعل الطباخ اللبن في القدر وخرج ليأتي بالأرز فخرجت حية من السقف فسقطت في اللبن والكلب ينظر وجاء الطباخ فرمى الأرز ولم يشعر حتى تهرت وخشي الطباخ سطوة الملك وقد فاجأه بطلب الأرز ونذل وطلب أن يأكل في المطبخ فحين شرعوا في وضع الطعام جعل الكلب يصرخ ويضطرب، فقال الملك ما له؟ فقالوا لا نعلم فقدم له طعام فامتنع وجيء بالأرز إلى الملك فصاح الكلب واشتد وجده حتى قطع السلسلة، وعاجل الملك قبل أن يأكل فوضع فمه في الطعام وأكل فتفزر جلده لوقته ومات، فضرب الملك الطباخين واستنهرهم فأقروا فعلم أن الكلب فداه بنفسه فكفنه في حرير وبنى عليه قبة.
قال الجاحظ وهي الآن باليمن تسمى قبة الكلب.
حكى عن أبي العيرانه، كان عنده حمار فمات فرآه في النوم ينشده شعراً يقول فيه أنه مات عاشقاً فسأله المتوكل ما الذي كان من شأنه، قل يا أمير المؤمنين كان أعقل من القضاة ليس له هفوة ولا زلة فاعتل على حين غفلة فمات فرأيته في النوم فقلت له ألم أنق لك الشعير وأبرد لك الماء فما سبب موتك فقال أتذكر إذ وقفت بي على الصيدلاني يعني العطار قلت نعم قال مرت إذ ذاك أتان فافتتنت بها ومت، فقلت وهل قلت في ذلك شيئاً قال نعم وأنشد:
هام قلبي بأتان ... عند باب الصيدلاني
تيمتني يوم رحنا ... بثناياها الحسان
وبخد ذي دلال ... مثل خد الشيقران
فيها مت ولو عشت ... إذا طال هواني
فقلت له يا أبا معاذ وما الشيقران فقال أنا مشغول بما أنا فيه وهذا كلام تعرفه الحمير فإذا رأيتم حماراً ومن كان أولاً فسألوه فضحك المتوكل حتى سقط وأمر له بعشرة آلاف درهم وتنسب القصة فيما حكاه صاحب نديم المسامرة إلى بشار فهذا ما أردنا تلخيصه من أمور الحيوانات