هل استسلمت إسرائيل واعترفت باستحالة الحصول على مياه النيل؟ خاصة بعد ما
أعلنته وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن عزم تل أبيب بناء أكبر مصنع فى
العالم لتحلية مياه البحر، ويندرج بناء هذا المصنع المقرر إقامته فى سوريك
بمنطقة ريشون لتسيون وبلماهيم جنوب تل أبيب، فى إطار خطة تستمر سنوات تقضى
بأن يؤمن البحر 40 بالمائة من مياه الشرب المستهلكة فى إسرائيل.
ويفترض أن ينتج مصنع سوريك وحده فى النهاية، حوالى 300 مليون متر مكعب فى
السنة، منها 150 مليون متر مكعب ابتداء من 2013، فقد أكد الدكتور مغاورى
شحاتة رئيس جامعة المنوفية الأسبق أن المصنع المقترح أمر طبيعى ويتماشى مع
ما تعانى منه إسرائيل من ندرة مياه الشرب، والتى لا تناسب الاكتفاء الذاتى
من المياه التى تحصل عليها من مياه نهر الأردن أو من مرتفعات هضبة الجولان.
وأضاف شحاتة أن قيام إسرائيل ببناء مثل هذه المصانع ينفى ما يتم إثارته فى
مصر حول أسباب التغلغل الإسرائيلى فى دول حوض النيل لنقل مياه النهر إلى
أراضيها، مؤكدا أن هذا الأمر به نوع من المبالغة والصعوبة فى نفس الوقت، إذ
إن نقل المياه إلى إسرائيل أمر غير وارد، لأنه لن يتم إلا من خلال مصر
"طبعا مستحيل".
وأشار شحاتة إلى أن إسرائيل تحرض دول الحوض لأسباب ليس من ضمنها الحصول على
مياه النيل، ولكن الأمر يتعلق بإقامة مشاريع فى دول الحوض، مضيفا أن هناك
أسبابا تؤكد استحالة نقل المياه إلى إسرائيل، والتى على رأسها الأسباب
الطبيعية بالإضافة إلى القواعد التى يحكمها الجانب القومى لدول الحوض، حيث
لا يجوز على الإطلاق أن تخرج مياه النيل عن إطار الاتفاقيات والقواعد
المتعارف عليها بين دول الحوض أيا كانت الأسباب.
واستطرد شحاتة قائلا إن دول الحوض هاجمت مصر عندما قامت بإنشاء السد
العالى، وعندما أنشأت ترعة السلام ومشروع توشكى، وكانت حجتها أن مصر عبر
إقامة هذه المشاريع تستولى على مياه تفوق حصتها المقررة من مياه النيل،
وكان رد مصر وقتها أن المشاريع تقام على أراضيها وبالتالى فهى لا تتعارض مع
اتفاقيات حوض النيل، مؤكدا أن إسرائيل تقوم بدور المحرض لإثارة دول الحوض
لأنها تعلم أن مصر لن توافق على نقل المياه عبر أراضيها، ومن ثم شرعت فى
إقامة مصانع التحلية وهذا فى الإطار الشرعى بالنسبة لها.
ويتفق معه فى الرأى الدكتور محمد عبد السلام مسئول الملف الإسرائيلى بمركز
الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذى أشار إلى أن شروع إسرائيل
فى إقامة مثل هذه المصانع يؤكد أنها لا تفكر فى نقل مياه النيل إلى
أراضيها، وينفى ما أثير مؤخرا عن محاولة إسرائيل الحصول على مياه النيل،
لأنها تعلم صعوبة ذلك تماما.
وأضاف عبد السلام أن هذا ينفى أيضا ما قاله الخبراء عن عزم إسرائيل نقل
مياه النيل عن طريق مد خطوط الأنابيب أو جبال الثلوج، لأنها تعلم جيدا مدى
التكلفة الاقتصادية والصعوبات التى تواجهها لإقامة مثل هذه المشاريع،
وبالتالى فكرت فى إنشاء مصنع لتحلية المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتى من مياه
الشرب.
ولم ينف عبد السلام أن إسرائيل تعانى من أزمة مياه حقيقية وتسعى لحلها منذ
زمن عبر إقامة مفاعلات لتحلية المياه، مؤكدا أن إقامة هذا المصنع معناه أن
إسرائيل ليس لديها اكتفاء ذاتى من مياه الشرب، وبالتالى تسعى للتوصل إلى حل
لهذه الأزمة بعد أن علمت جيدا مدى صعوبة نقل مياه النيل إليها.
وكان المتحدث باسم مصلحة المياه فى إسرائيل اورى شور قال إن الاستهلاك
المنزلى لمياه الشرب فى إسرائيل يبلغ 700 مليون متر مكعب، وتستخدم الزراعة
والصناعة على التوالى 450 مليونا و100 مليون متر مكعب من المياه المعالجة.
وتنتج مصانع أخرى موجودة لتحلية مياه البحر، على التوالى 127 مليون متر
مكعب فى الخضيرة (شمال) و120 مليون متر مكعب فى عسقلان (جنوب) و45 مليون
متر مكعب فى بلماهيم، ويفترض أن يمكن التشغيل التدريجى لهذه الشبكة من
المصانع، إسرائيل من خفض اعتمادها بشكل كبير على موارد المياه الجوفية ونهر
الأردن وبحيرة طبرية.