الديمقراطية الأميركية
العنوان: الديمقراطية الأميركية.. التاريخ والمرتكزات - - ترجمة: حسن عبد ربه المصري
عدد الصفحات: 217- الناشر: المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة - الطبعة: الأولى/2005
الكتاب عبارة عن اثنتي عشرة دراسة حول مبادئ الديمقراطية والانتخابات وصياغة القوانين والقضاء والحقوق العامة وحقوق الأقليات، وقد أعدتها مجموعة من أساتذة الجامعات الأميركية
وتعكس هذه الدراسات التي نشرتها وزارة الخارجية الأميركية مرتكزات الديمقراطية وتطورها، وكيف أفادت التجربة الأميركية من التجارب والأزمات التي مرت بها منذ وضع دستور الولايات المتحدة الأميركية عام 1787 حتى تدخلت المحكمة العليا لفض الاشتباك الذي نجم عن الانتخابات الرئاسية عام 2000
المبادئ الأساسية للديمقراطية
يقول أبراهام لنكولن "إن حكومة من الشعب، يختارها الشعب، من أجل الشعب يجب أن لا تزول من على وجه الأرض" وقد اعتبرت هذه العبارة أكثر تعريفات مصطلح الديمقراطية شيوعاً في تاريخ أميركا
إن الحكم الديمقراطي تجربة في حالة تطور مستمر، ويتضمن بعض العيوب التي تحتاج إلى إصلاح، وكل بلد لديه الحق في أن يقيم نظام الحكم الديمقراطي الذي يناسبه انطلاقا من ثقافته وتاريخه
ولكن جميع الديمقراطيات تشترك في ثلاثة مبادئ أولها مبدأ الدستورية، وأن الشعب هو وحده المصدر الأساسي لجميع السلطات، ويجب أن تكون مقبولة من أفراده باعتبارها سلطات مقننة، وتحقق هذه المشروعية بطرق متنوعة من بينها خطوات صنع القوانين وآليات الانتخابات الحرة النزيهة
وثانيها الفصل بين السلطات لمنع ازدياد قوة جزء من الحكم إلى الدرجة التي تمكنه من تقويض إرادة الشعب
أما ثالثها فهو وجوب احترام حقوق الأفراد والأقليات، وعدم مشروعية استخدام الأكثرية قوتها كي تحرم أي إنسان من حرياته الأساسية، وهذا الأمر صعب التحقيق إلا أن حقوق الأقليات مصونة من خلال العديد من السبل أهمها القضاء المستقل
الدستورية وما يترتب عليها
تتطلب حرية الأفراد تحت أي حكم أن يكون لهم نظام يعيشون وفق قواعده، بشرط أن يطبق على كل أبناء المجتمع، وأن تسنه سلطة تشريعية قاموا هم بتأسيسها، وتعني الدستورية مجموعة من المبادئ السياسية أو القانونية مكرسة لصالح المجتمع بأكمله ولصيانة حقوق الأفراد
وقد نشأ الحكم الدستوري في أوروبا الغربية والولايات المتحدة دفاعاً عن حق الفرد في الحياة والتملك وحرية التدين، وشدد واضعو الحكم الدستوري على ضرورة وجود قيود تحد من قوة كل سلطة من سلطات الحكم، وعلى أن الديمقراطية لا تكتمل دون أن تستند إلى الليبرالية الدستورية حيث يكون هناك نظام لا تنتهك فيه الحقوق
وقد يحدث عند قيام حكم ديمقراطي شكلي لا يأخذ بكل المبادئ الدستورية الليبرالية أن تجري انتخابات ديمقراطية، ويحكم بلدا ما قادة منتخبون، ولكنهم يستخدمون سلطاتهم لتقليص الحرية وتشجيع الانقسامات العرقية
ويعبر عن الدستورية في النظام الأميركي بعبارة "العقد الاجتماعي" ويعتمد على سيادة الشعب، وسيادة القانون، وعلى أن الحكم بموجب القانون يعني روح القانون وسيادته، وعلى الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، ونظام الضوابط والتوازنات، فلا تحتكر أي منها السلطة، وأن تكون سلطات الحكم ومسؤولياته متداخلة
مبادئ الانتخابات الديمقراطية
يهدف كل تنظيم سياسي إلى تقديم مجموعة من الحكام الذين يملكون القدر الأكبر من الحكمة وبعد النظر، والقدر الأكبر من الفضيلة لتحقيق الهدف المشترك للمجتمع، ولتطبيق المبدأ الأساسي في النظام الديمقراطي يتطلب الأمر قيام نظام انتخابات باعتباره وسيلة السيطرة الأساسية على الحكم، لأن الانتخابات تحدد بشكل سلمي من هم الذين سيحكمون، وتعطي مشروعية للقرارات التي سيتخذونها
ولتحقيق سلمية الاختيار ومشروعية القرار يجب توفر عدة عوامل كحرية الانتخابات ونزاهتها، وكإعطاء حق الانتخاب لكل الفئات، مع تساوي الأصوات جميعاً بحيث لا يكون لصوت ما تأثير يفوق تأثير صوت آخر، بالإضافة إلى أن تكون هناك معايير انتخابية تتصف بالحرية والنزاهة بالنسبة لعملية الاقتراع وفرز الأصوات وأنظمة تمويل الحملات الانتخابية
الفدرالية والديمقراطية
نشأت الفيدرالية في أميركا للحد من سلطة الحكومة المركزية ومنحها ما يكفي من سلطات لحماية المصلحة القومية، ويعتبر نظام الفيدرالية إسهاما أميركيا فريداً في نظرية الحكم، وجزءا من عبقرية النظام الدستوري الأميركي نفسه، ويتم في ضوئه توزيع الصلاحيات بين حكومتين أو أكثر كل منها تمارس السلطة على نفس المجموعة من الناس الذين يسكنون الإقليم الجغرافي نفسه، أي أنها تقوم على توازن متغير دائماً يساعد على ابتكار حلول بديلة، ويستند على مبدأ سيادة الشعب
ويساهم النظام الفيدرالي في تدريب من يتولى مناصب قيادية قومية في المستقبل، وتعليمهم دروساً قيمة حول دور الحكومة في المجتمع الديمقراطي، وتزيد مستويات الحكم الإضافية من إمكانية مشاركة عدد أكبر في صنع القرار من دون تولي المناصب، أي أن الفيدرالية تشجع نظام الحكم على إدارة سليمة ديمقراطية تعددية ضمن جمهورية كبيرة، وفي نفس الوقت ممارسة الانتقاد اللازم والفعال للحكومة مما يؤدي إلى تعزيز الديمقراطية
صياغة القوانين في المجتمع الديمقراطي
يتطابق جوهر القانون في أي زمن، بدرجة متقاربة جداً وضمن ما يصل إليه من مدى مع مفهوم ما هو ملائم وممكن في ذلك الزمان، لكن شكل وآلية تطبيقه ودرجة قدرته على تحقيق النتائج المرجوة منه تستند بدرجة كبيرة إلى ماضي ذلك القانون
تعود الإجراءات الخاصة بإصدار القوانين في الولايات المتحدة الأميركية إلى العهد الاستعماري، فهي عملية تاريخية يعود أصلها إلى إنجلترا
ويستند النظام الأميركي لوضع القوانين على سلطات متشابكة، فالولايات تتشكل ضمن نظام فيدرالي يسيطر عليه الكونغرس، وسلطات الرئيس ونظام المحاكم الفيدرالية يقيدهما الدستور الأميركي، وتتميز آلية صياغة القوانين على مر الزمن بأن نظام وضعها يتم بطريقة ديمقراطية، إذ يجب الحصول على موافقة الشعب، ووجود نظام من الضوابط والتوازنات، وضرورة تحقيق المرونة اللازمة في السياسية العامة
دور القضاء المستقل
يستمر القضاة الفيدراليون في كل المستويات في مناصبهم طوال حياتهم، والسلطة القضائية هي المفسر النهائي لمواد الدستور، وهو البيان الأساسي لما يريده الشعب من حكومته
وأهم ما يميز النظام السياسي الأميركي هو استقلال النظام القضائي الفيدرالي، حيث يقوم على حماية حقوق الأفراد، واتفاق المجتمع على وجوب احترام ما يصدر عنه من أحكام. يقول ويليام ربكويست رئيس المحكمة العليا، الذي نظر في قضية الجدل الذي ثار حول انتخابات عام 2000 قبل سنوات من توليه المنصب إن القضاء الأميركي يشكل واحدة من جواهر التاج الذي يكلل رأس نظام الحكم في بلادنا
سلطات الرئاسة
يقول الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي: "تحتاج الرئاسة الأميركية لما هو أكثر من البيانات المدوية التي تصدرها الصفوف الخلفية للمعركة، إنها تحتاج من الرئيس أن يضع نفسه في خضم المعركة مؤكداً اهتمامه اللامتناهي بمصير الشعب الذي يتولى قيادته
وتعتبر سلطات الرئيس مقيدة ودستورية وديمقراطية بسبب الفصل بين السلطات، وإقامة الضوابط والتوازنات لمنع أي سلطة من ممارسة سلطاتها لفترة طويلة دون إخضاع مشروعيتها لمراجعة تشريعية قضائية. وترتبط الحدود القصوى لسلطة الرئاسة -في كثير من الأحيان- بقدرتها على إقناع السلطة التشريعية والشعب الأميركي
تفصل المادة الثانية من الدستور السلطات الدستورية للسلطة التنفيذية للحكومة حيث تنص على اختيار رئيس واحد، وتحدد اختياره عن طريق الهيئة الانتخابية وتحدد فترة رئاسته بأربع سنوات
فواضعو الدستور لم يفصلوا مسؤولياتها بالكامل، ولم يحددوا إطار السلطة التنفيذية بالكامل، وتركوا العديد من المسائل للأجيال القادمة، وقد مارس بعض الرؤساء سلطتهم الامتيازية في ضوء قراءتهم الشخصية للدستور والاتهام الجنائي والعزل في النظام الدستوري الأميركي
دور وسائل الإعلام الحرة
يقول أولفير وندل هولمز قاضي المحكمة العليا الأميركية عام 1919: "عندما يدرك الناس أن الزمن قد قلب مفاهيم العديد من المعتقدات التي كانوا يتقاتلون من أجلها، فقد يتوصلون إلى الاقتناع بأن الخير المطلق الذي ينشدون بلوغه يمكن أن يتحقق على نحو أفضل من خلال تجارة الأفكار الحرة، وأن أدق اختبار للحقيقة هو قياس مدى قدرة الفكر على أن يصبح مقبولاً عبر التنافس تجارياً في هذه السوق.. بصفة عامة هذه هي النظرية التي يقوم عليها دستورنا، إنها تجربة كما أن الحياة نفسها تجربة
إن حرية التعبير عبر جميع وسائل الإعلام الحرة من اشتراطات المجتمع الديمقراطي، حيث أن الدستور الأميركي الذي يعد أساس نظام الحكم في الولايات المتحدة نص على أنه "لا يحق للكونغرس إصدار أي قانون ينتقص من حرية التعبير أو من حرية الصحافة
دور مجموعات أصحاب المصالح
مجموعات أصحاب المصالح هي مجموعات منظمة من الأفراد الذين يتوافقون فيما بينهم على عدد من الأهداف، ويحاولون في الوقت نفسه التأثير على السياسة العامة
أهم ما يميز المجتمع الديمقراطي أنه يسمح للمواطنين بتكوين قنوات سياسية بديلة عندما يجدون أن المتحكمين في مسيرة الاقتصاد أو المسؤولين لا يراعون مصالحهم، فمجموعات أصحاب المصالح تساعد المواطنين على تفعيل استخدام قدراتهم بصورة أكثر فعالية في التأثير على السياسية القومية، وهيكلية النظام السياسي الأميركي وضعف الولاء الحزبي وفيدرالية النظام واستقلالية القضاء تشجع على قيام جماعات المصالح التي تركز اهتمامها على مشاكل أصحابها الخاصة
توجد عدة فئات تمثل جماعات المصالح مثل أصحاب الأعمال، والاتحادات العمالية والجماعات المهنية ومجموعات مصالح حكومات الولايات والحكومات المحلية ومجموعات أصحاب المصالح العامة إلخ
وتتفاوت جماعات المصالح في قدرتها على التأثير على صناعة القرار داخلياً وخارجياً، وتعتمد على كيفية استخدام كل مجموعة لمقوماتها السياسية الرئيسية مثل عدد الأعضاء ومدى تماسكهم وحماسهم ومواردهم المالية. فمثلا تساهم مجموعات أصحاب المصالح التي لها تأثير في الانتخابات القومية -بوجه عام وبصورة تطوعية- في دعم المرشحين مالياً، أو تمرير المعلومات إلى صانعي القرار
حق الشعب في أن يعرف
إن القوة التي تفرض التكتم على الممارسات الحكومية، هي في حقيقة الأمر قوة تدمير لمصداقيتها "وهذا يعني حق الشعب في معرفة كل ما يتعلق بأعمال حكومته، وهو ما يعرف في الأزمنة الحديثة بـ"الشفافية في الحكم"، وقد ركز النظام السياسي الأميركي على أن تكون الحكومة منفتحة وشفافة إلى حد كبير، ويجب أن يسمح لها وفق متطلبات ظروف معينة بقدر معين من التكتم والسرية لكي تعمل بشكل صحيح
ركزت الولايات المتحدة اهتمامها من خلال تعاملها مع مصالح المجتمع التي تتنافس فيما بينها على ثلاثة محاور رئيسية هي
إمكانية الوصول إلى السجلات والوثائق العامة التي تحفظ فيها "شؤون أفراد المجتمع" بطريقة سلسلة وميسورة
إمكانية التواصل مع المؤسسات الحكومية التي تتداول الشأن العام مثل الاجتماعات والندوات: حيث تناقش هذه الشؤون ويتم اتخاذ قرارات بشأنها
إمكانية التواجد داخل الأماكن المسؤولة روتينياً عن إدارة شؤون حكومية مثل السجون والمستشفيات والمدارس الحكومية وفق ما تنص عليه لوائحها
وحدد القانون الفيدرالي تسعة استثناءات يمتنع فيها الكشف الإجباري عن المعلومات إذا ارتبطت بشؤون الأمن والدفاع القومي واستثناءات القانون والاستثناءات المنصوص عليها لحماية الخصوصية الفردية
السيطرة المدنية على الجهاز العسكري
برزت فكرة السيطرة المدنية على القوات العسكرية في ضوء مجموعة من الظروف التاريخية حيث أدرك المؤسسون الأوائل عند إنشائهم للحكومة القومية أهمية وجود جيش دائم لتأمين حماية الوطن والدفاع عنه، إلا أنهم في الوقت نفسه عملوا على اتخاذ أقصى درجات الحذر للمحافظة على الحرية ومنع قيام مؤسسة عسكرية تشكل خطراً على البلاد والنظام الديمقراطي من خلال تثبيت مجموعة من الأسس الدستورية المتينة كقاعدة للسيطرة على القوات العسكرية
ويقسم الدستور الأميركي السلطة العسكرية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، فالرئيس القائد المدني المنتخب شعبياً هو القائد العام للقوات المسلحة، بينما يعطي الكونغرس والمحاكم الأميركية والهيئة الانتخابية قوة كبيرة لتحديد هذه السلطة، وتقوم القوات العسكرية بدور إداري وليس بدور صنع السياسة