إندونيسيا فى المدينة المنورة
آه لو كنتم معى فى المدينة المنورة لتشهدوا هذا المهرجان الكونى المنعقد فى حب الله، آه لو شاهدتم الحشود التى ترفع أعلامها فى كل مكان.
والزهور الآدمية الملونة التى تحتشد الآن، والوجوه المضيئة الحالمة التى تحقّقت أحلامها بفضل الله. فى بلادهم البعيدة يُؤرخون للإنسان بأربع
حوادث: الميلاد والموت والحب والحج، وها هم الآن فى طرقات المدينة يحملون قلوبهم بأيديهم ليقدموها إلى رسول الله.
بدأ الحجيج بتدفق حجاج إندونيسيا، إندونيسيا التى فُتحت بالحب فى الأزمنة البعيدة، وأصبحت اليوم أكبر تعداد للمسلمين فى العالم، بلا طعنة سيف ولا
رمية رمح ولا قعقعة سلاح. البداية كانت فى الرحالة العرب الذين لا يهابون ركوب البحار. حطت سفنهم على الشواطئ البعيدة وبدأوا التعامل مع
أهالى الجزر. بالأمانة والتراحم وحسن المعاملة ملكوا الأفئدة، وأقاموا الإسلام فى قلب كل إندونيسى على حدة. بعدها جاء السلطان «جيهان شاه»
إلى سواحل (اتشيه) داعيا إلى الله. ومثل الأفلام السعيدة تزوج من أميرة إندونيسية، فجعلوه ملكا على البلاد. وسمّوا المنطقة باسم رومانسى حالم: «
سلاملك مكة» أى (الصالة الأمامية لمكة)، وكأن المسافة الفاصلة بين إندونيسيا ومكة ما هى إلا فراغ.
واليوم جاء أحفاد أحفادهم إلى المدينة المنورة ليعلنوا المحبة لرسول الله. جاءوا يحدوهم الشوق إلى بلاد النخيل والصحراء. يقشعر جسدى من حجم
المعجزة: نبى عربى- منذ ألف وأربعمائة سنة- قال لهم تعالوا فجاءوا، هكذا ببساطة متناهية. جاءوا بقلوبهم العذراء وأرواحهم الطيبة. تدفقوا من
الغابات الخضراء والجزر النائية، تركوا بلادهم البيضاء والمساكن الطيبة التى ورثوها عن أجداد الأجداد.
ارتدوا قبعاتهم السوداء المثلثة، والقميص الزاهى المشجّر، والتنّورة الملفوفة حول سيقانهم، جاءوا بعصافير الحب تغرد فى قلوبهم، أحضروا معهم
كل أقمار سمائهم، نظموا نجوم الليل فى عقود ليطرحوها عند أعتاب حبيبهم. وحبيبهم اسمه (محمد)، لم يزل حيا فى قلوبهم، رغم أنه مات منذ ألف
وأربعمائة عام.
جاءوا بكل شىء جميل فى حياتهم، جاءوا بجزرهم البعيدة يحملونها فى جيوبهم، جاءوا ببخور جاوة وعنبر سومطرة، بمنديل صرّوا فيه سبعة عشر
ألف جزيرة و٢٧٠ مليون إندونيسى كلهم يحبون النبى، جاءوا بعصافيرهم الملونة، بلمسات الحنان توزعها أصابعهم على رؤوس اليتامى وظهور
القطط، جاءوا برائحة البحر ورذاذ الموج وشباك الحب وأسماك النهر، جاءوا بالتوابل والأرز المطهو بحنان الأمهات، بالوجوه الصابرة على البراكين
والزلازل والفيضانات، جاءوا بالحلم والخيال والعشق والأمل، جاءوا بالأشجار الوارفة والزهور كبيرة الحجم، والغصون تلقى ظلالها على الطريق،
بالشلالات المنحدرة وسحر الشرق والشاى المعطر بالياسمين، جاءوا بالجبال التى تحيطها البحيرات من كل الجهات، وفوق قمة الجبل مسجد وحيد،
يُعلن التوحيد ويعانق السحاب.
جاءوا بكل هذا وطرحوه عند شباك النبى. وقالوا بلسان أعجمى: «نحن نحبك يا رسول الله».