أجمع عدد من المفكرين والمثقفين والحقوقيون فى مصر على أن الأحداث التى شهدتها تونس والتى انطلقت بمظاهرات احتجاجية اجتماعية وانتهت بمطالبات بإقالة الرئيس زين العابدين بن على، وأسفرت عن هروبه، هى نتاج طبيعى لحالة الفساد والتراخى التى باتت تشهدها الحكومة التونسية فى ظله، مشيدين بتلك التجربة واصفين إياها بالعمل البطولى الذى يجب أن تتعلم منه كافة الشعوب العربية التى تعانى ما يعانيه المجتمع التونسى من فقر وبطالة.
وقال المفكر الدكتور محمد حافظ دياب، إن العمليات الاحتجاجية التونسية والتى بدأت بشكل اجتماعى ثم تحولت لمطالب سياسية، هى إفراز لحالة الفساد والقهر الممثلة فى زوجة الرئيس وأشقائها التسعة الذين حاولوا الاستيلاء ونهب معظم ثروات البلد.
وأضاف دياب، أن الفساد فى تونس وصل إلى مداه ، فالشباب هناك لا يجد فى انتظاره بعد التخرج سوى البطالة والفقر، مشيرا إلى أن الجيش التونسى جاء موقفه وطنى للغاية ولن يتدخل لصالح الرئيس مهما حدث.
ورسم دياب عدة سيناريوهات متوقعة للمستقبل التونسى وهى أن يقوم الجيش بوضع حد لهذا الانفلات الشعبى ويأتى برئيس جديد أو أن تستطيع الجماعة الشعبية الصمود وتحسم الموقف لصالحها.
أما الباحث الدكتور عمار على حسن فوصف ما يحدث فى تونس بالعمل البطولى العظيم الذى تحول من مجرد احتجاج بسيط إلى حالة تشبه الثورة العارمة اشتعلت فى كافة أرجاء البلاد حتى وصلت إلى مقر المؤسسة التى يعتمد عليها بن على فى الحكم وهى وزارة الداخلية.
وأضاف حسن، أن تونس الآن تشهد تحولا تاريخيا وتقدم للدول العربية تجربة ملهمة تجعلها حذرة من تكرار مثل تلك الأحداث على أرضها خاصة أن الظروف والحالة التى تعيشها شعوب تلك البلاد واحدة.
وتوقع حسن أن تنجح النخبة التونسية من داخل المؤسسة الحاكمة نفسها فى ملأ الفراغ السياسى بعد هروب الرئيس التونسى أو أن يتم تشكيل حكومة انتقالية وطنية تجمع بين مختلف الطوائف التونسية.
وأنهى عمار على حسن حديثة قائلا: مهما كانت النتيجة فيكفى أن الشعب التونسى حقق أهدافه وأرغم سلطة بوليسية على تقديم تنازلات والامتثال لإدارة الأمة.
أما المفكر الدكتور على مبروك فقال: أتمنى أن تكون التجربة التونسية، نموذج تستلهم منها الشعوب العربية، درسا فى الإطاحة بالأنظمة الفاسدة والمستبدة وأضاف مبروك، أن تونس شهدت حالة من التصحر السياسى بسبب النظام الحاكم ، متسائلا: ماذا بعد هروب الرئيس التونسى؟ هل هناك كوادر سياسية مؤهلة لإدارة البلاد؟
فيما وجه الشاعر والمترجم طلعت شاهين تحذيرا للأنظمة المستبدة المنتشرة فى البلاد العربية من قيام الشعب بثورة مثل التى قام بها الشعب التونسى، ويرى شاهين، أن ما حدث فى تونس يعد أهم ثورة فى تاريخ العالم العربى، مؤكدا أن هذه الثورة تكاد تكون أهم من ثورة يوليو فى مصر لأنها ثورة شعبية ضد الظلم والاستبداد.
وأوضح شاهين، أن فكرة انتقال ما حدث فى تونس لأى دولة عربية أخرى مسألة واردة خاصة إذا ما كان المناخ مؤهلا لذلك، مشيرا إلى أن الفكرة كلها تتوقف على قدرة الجماهير على الاستمرار، فى إشارة منه إلى ما حدث فى مصر فى يومى 17 و18 يناير 1977.
بينما قالت الكاتبة سلوى بكر، إن ما حدث فى تونس كان مشهدا متوقعا لأنها ظاهريا دولة يبدو فيها الاستقرار لكن الوضع السياسى فى تونس مكبل بقبضة من حديد، مشيرة إلى أنها من أكثر البلاد استبدادا وتكبيلا لحرية الرأى والتعبير.
وأشارت بكر إلى أن هناك أشخاصا كثيرين بتونس كونوا ثروات بالفساد مؤكدة أن هذا الوضع أدى إلى حدوث فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء مما أدى إلي الانفجار الشعبى، لافته إلى أن جزيرة سوسة التونسية يُمنع من دخولها المواطنين التونسيين لأن فنادقها ومزاراتها السياحية قاصرة على أغنياء تونس والأجانب فقط.
وبنفس الترحيب أيضا استقبل حقوقيون نبأ مغادرة زين العابدين بن على سدة الحكم فى تونس، مؤكدين أن رحيل زين العابدين سينهى حالة القمع التى عاش فيها التونسيين 23 عاماً.
ووصف بهى الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مغادرة الرئيس التونسى زين العابدين لتونس بأكبر هزيمة لأكبر نموذج للدولة البوليسية، لافتاً إلى أن تونس هى الدولة التى انطلق منها الحكم البوليسى إلى بقية دول العالم.
وأكد "بهى"، أن الرئيس زين العابدين بن على قدم أسوء نموذج للدولة البوليسية الكلاسيكية، مشيراً إلى أن التقارير السنوية التى يصدرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، تؤكد أن زين العابدين بن على قام بقمع النقابات التونسية، وقتل الأحزاب السياسية.
وشدد مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، على أن الحقوقيين فى تونس عانوا كثيراً على يد الرئيس زين العابدين، الذى قام بمنع اجتماعات منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية، ليقدم زين العابدين بعد قمعها للحريات نظام فاسد بشكل غير عادى قائم على حكم العائلة، لافتاً إلى أن زين العابدين كان يعد زوج أبنته ليحكم تونس.
وكشف بهى فى تصريحاته لـ"اليوم السابع"، عن اتصال جمعه بـ" مختار الطريفى رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان"، عقب مغادرة زين العابدين حكم تونس مساء أمس، أكد فيه "الطريفى"، شعور الشعب التونسى بالبهجة والفرح والسعادة نتيجة انتصار المواطنين التونسيين على الطاغية زين العابدين بن على، لافتاً إلى تأكيد "الطريفى"، على وجود حالة من الترقب لما سيقوم به محمد الغنوشى الوزير الأول والقائم بأعمال رئيس الجمهورية.
ومن جانبه، أكد حافظ أبوسعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن مغادرة الرئيس التونسى زين العابدين بن على لحكم تونس وتولى محمد الغنوشى الوزير الأول لزمام الحكم بتونس بـ"النتيجة الطبيعية" للاستبداد الذى دام أكثر من 23 عاماً على يد الرئيس السابق "زين العابدين بن على".
وشدد أبو سعدة، على أن الشعب التونسى يستحق أن يعيش فى ظل ديمقراطية حقيقية، معتبراً الاحتجاجات على "زين العابدين" وحكومته هى "انتفاضة شعبية" حققت ضربة قاسية لقمع النظام التونسى.