صدرت مؤخراً عن دار دوّن للنشر والتوزيع الطبعة الثانية لرواية "2025
النداء الأخير ،"التى تتحدث عن ثورة مصرية تقوم بها حركة اسمها "اليائسون"
يؤسسها شباب مصريون عانوا كثيراً، الرواية كتبت أثناء الثورة التونسية
وصدرت قبل قيام الثورة المصرية بيومين ونفدت طبعتها الأولى خلال أسبوعين،
و"اليوم السابع" تنشر الفصل الأول من تلك الرواية بمناسبة صدور طبعتها
الثانية..
" فى 6 أبــريل 2008 بكـيت - من الفــرحة – وأنــا أظن أن مصــر ستتغـير
إلـى الأبــد .. لكننى كـنت واهمـاً وبشـدة.. لذا فقـد بكـيت ثانيــــة –
مـن القـــهر – عندمــا اكتشفت أنــه سيكون على الانتظــار إلـى 6
أبـــــريل 2025 م .. " كانت تلك الكلمات هى ما كتبته قبل نجاح ثورة 25
يناير فى مصر، حيث لم أكن أتوقع نجاحنا فى خلع "مبارك " الذى جثم على
أنفاسنا طويلاً بل توقعت تأجيل الحلم إلى عام 2025 حيث كنت قد بدأت بكتابة
هذه الرواية قبل الثورة التونسية ولما نجحت الثورة هناك فى خلع "زين
الهاربين" قمت بتعديل أجزاء منها لتتناسب مع الوضع الجديد ثم تكرر الوضع فى
مصر ونجحت الثورة بفضل الدماء الطاهرة للمئات من الشهداء من أبناء هذا
الوطن العظيم لذا:"فإنه يمكنك قراءة تلك الرواية الآن فى سياق ما كان سيحدث
فى المستقبل لو لم تحدث ثورة شباب 25 يناير .. وصدقنى لو لم تقم تلك
الثورة لشهدت مصر مستقبلاً مرعباً.. !! "
الفصـل الأول الزمن: القاهــرة 2025 المكان:
قاعة شبه مظلمة فى قبو يتحرك
فيها بعصبية 7 أفراد مدججون بالسلاح ثم فجأة دوت صرخة عالية يهتف صاحبها
قائلاً:- إذن فقد فشلت الثورة !! ثم يعقب صرخته بضرب قبضة يده بقوة على
المنضدة التى يجتمعون حولها لترتج المنضدة بعنف وتتطاير عدة أوراق من عليها
بينما يرد عليه أكبر الحاضرين سناً بعـصبية واضحة:- لا لم تفشل يا يوسف"لا
تنس أن العديد من أحياء القاهرة ومدن "بنها "
و"طنطا" و"المحلة" وجزء كبير من محافظات الدلتا والصعيد قد صار تحت سيطرتنا
الكاملة، كما أنه هناك بعض مظاهرات التأييد لنا قد اندلعت فى ميادين
"التحرير" و"رمسيس" دعك طبعاً من أنّ الرئيس الآن مختف ولا يستطيع أن يدير
البلاد .هز "يوسف" رأسه فى حدة وقال وهو يشيح بيده:- بل دع عنك أنت يا
"مراد" تلك المشاعر المتفائلة، الموقف الآن خطير ولا يحتمل الأحلام الوردية
.بهدوء تدخل أحد الحاضرين فى الحوار وهو يسير فى الغرفة عاقداً كفيه خلف
ظهره قائلاً :- لا يا "يوسف" تلك ليست أحلاماً وردية أو مشاعر متفائلة، تلك
هى الحقيقة فمصر الآن أصبحت شبه مؤيدة لنا بأكملها..أشار "يوسف" إلى
الخريطة المعلقة على الجدار المقابل قائلاً:- كيف هذا يا "محمد" أتنسى أم
تتناسى أن عناصرنا قد قُتل منها الكثير منذ اندلاع الثورة وكأن رجال النظام
كانوا ينتظروننا، كما أنه حتى الآن ما زالت الكثير من المدن لم تعلن
تأييدها لنا خاصة أن القاهرة كلها لم تصبح فى أيدينا بعد! عاد "محمد" يرد
فى هدوء بعد أن توقف عن الحركة فى الغرفة:- تفكر قليلاً يا
"يوسف" فى خسائرنا ومكاسبنا وستدرك أننا فى أفضل حال بعد مرور 5 ساعات فقط
على اندلاع الثورة، ولا تنس أننا بمجرد إذاعة بيان الثورة فسنكتسب تأييداً
شعبياً لا يقدر بثمن، فى تلك اللحظة ارتفع صوت جهاز لاسلكى بالغرفة قاطعاً
الحديث الدائر ليقول المتحدث عبره :- من "جيمى" إلى القيادة 2 حوّل .- من
القيادة 2 إلى "جيمى" نسمعك بوضوح .قالها "يوسف" فى سرعة بعد أن اختطف جهاز
اللاسلكى من على المنضدة ليتحدث فيه- أنا بالنقطة 720 ومعى من الرجال 62
رجلاً تم أداء المهمة بنجاح وخسائرنا 3 رجال فقط .ارتفعت أصوات الجالسين
بالغرفة بالتهليل لدى سماعهم الأخبار لولا إشارة من يد "يوسف" لتجبرهم على
الصمت فى حزم وهو يقول لمحدثه:- ماعدد القتلى فى الجانب الآخر ؟مضت لحظة من
الصمت قبل أن يرتفع الصوت عبر اللاسلكى وهو يقول فى اقتضاب:- 40 رجلاً و9
جرحى وهناك 6 استسلموا- لماذا فعلت ذلك ألم أطلب منك مفاوضاتهم منذ البداية
؟قالها "يوسف" وهو يعض بقوة على شفته السفلى، بينما غاب صوت محدثه للحظات
ليعود قائلاً:- ما حدث قد حدث المهم أن النقطة 720 أصبحت تحت سيطرتنا
الكاملة الآن- حسناً "جيمى" جهز رجالك للانتقال إلى النقطة 311 عند الساعة
55 وستجد هناك " حسام " ورجاله .- عُلم وينفذ حوّل .ثم ساد الصمت ليفلت
"يوسف" جهاز اللاسلكى من يده قائلاً:- قسم ثان شرطة مدينة نصر أصبح بحوزتنا
الآن الحمد لله .تردد أحد الجالسين قليلاً قبل أن يقول ليوسف فى خفوت:-
"يوسف"، قلت لك مراراً إن "جيمى" يسفك الدماء بلا داع، لذا أعتقد أنه من
الأفضل ألا ترسله إلى قسم شرطة مصر الجديدة، خاصة أنك تعلم أن العديد من
الضباط الهاربين منذ اندلاع الثورة قد قاموا باللجوء إليه لذا قد تكون
مجزرة كبيرة ونفقد العديد من رجالنا بلا داعٍ.نفض " يوسف " رأسه فى قوة
وكأنه يطرد منها أفكاراً عالقة فيها وهو يقول :- يا " بيتر " الحقيقة أن "
جيمى " هو أفضل من يمكنه التعامل مع قسم مصر الجديدة فى مثل هذه الظروف
الشائكة، فقط ادعوا الله له ولرجاله .وفجأة التفت "مراد " إلى أحد الواقفين
أمام الخريطة المعلقة على الجدار ليقول:- يا "أيمن" مرت ثلث ساعة ولم
نتلقى أخباراً من " شبرا الخيمة " أو " قليوب "، هل يمكن أن تتصل بهما
لنتابع الأخبار ؟كان " أيمن " طويلاً بما يكفى لكى ينحنى ويلتقط تليفون
محمول موضوعا على رف بجانب الخريطة ويقوم بطلب الأرقام لينتظر قليلاً ثم
يبدأ فى الكلام بينما "يوسف" يميل على أذن "مراد" هامساً:- ما زلت غير
مرتاحاً للحديث فى التليفونات المحمولة رغم كل شىء.- لا تخف يا "يوسف"، هذا
الخط آمن تماماً كما أن الجهاز نفسه لم يستخدم من قبل .قالها
"مراد" وهو يبتسم ابتسامة الواثق بينما يعلو صوت أيمن وهو يتحدث فى المحمول
قائلاً:- يا "صلاح" ضع علم الثورة على أعلى نقطة فى قسم شرطة شبرا الخيمة
واجعل " حازم " يقوم بتصويرك وأنت ترفع العلم وارسل لنا الصور سريعاً .ثم
يلتفت " أيمن " إلى يوسف ورفاقه وهو يكتم سماعة الهاتف بيده الأخرى قائلاً
:- الأوضاع سيئة عند " صلاح" لم يبق معه إلا 12 رجلاً فقط والباقى قُتلوا
عند الاقتحام .
أشار إليه "يوسف" أن يمرر له الهاتف ليقول فى سرعة:- اثبت برجالك يا "صلاح"
وسأرسل لك مدداً فى خلال ساعة واحدة لكن أهم شىء الآن أن تقوم برفع العلم
لكى يشاهده الناس، سأقوم بتحريك رجال النقطة 16 إليك سريعاً، فقط اصمد أنت
حتى يصلوا إليك .
قالهـا "يوسف" ثم أعــاد الهــاتف إلــى " أيمـن " ليلتفـت بعدهـــا إلــى
"بيتر" وهو يقول فى توتر:- من المفروض أن يتحرك رجال قليوب لدعم " صلاح "
ولكننا لم نتلق منهم أى خبر منذ ما يقارب النصف ساعة، قم بالاتصال بقليوب
سريعاً فقلبى يحدثنى أن هناك شيئاً يحدث ولا نعلمه . قالها وهو لا يعلم أن
ما يحدث فى قليوب قد يغير تاريخ الثورة للأبد.
انهالت الرصاصات فجأة على "جيمى" وهو يقف شارد الذهن بينما يسند كتفه على
الباب الخارجى لقسم ثان مدينة نصر لينتفض فى سرعة حينما اخترقت ذراعه إحدى
الرصاصات ليلقى بنفسه أرضاً وهو يصرخ فى رفاقه قائلاً :-
ما مصدر تلك الطلقات ؟
فليخبرنى أحدكم؟لم يرد عليه أحد بينما تعالى صوت إطلاق الرصاص من
رفاقه تجاه المهاجمين من بعض رجال الشرطة الذين حاولوا استرداد القسم
بهجوم عنيف .- مرحى يا "جيمى"، يبدو أنه مكتوب عليك اليوم أن تقتل مائة
ضابط شرطة .قالها " جيمى " لنفسه وهو يمزق جزءاً من قميصه بعنف ليربط به
ذراعه محاولاً إيقاف النزيف بينما يده الأخرى تتحسس مدفعه الرشاش الملقى
بجانبه لينهض بعدها واقفاً ومطلقاً النار فى دقه على أقرب مهاجميه وهو يصرخ
:- هيا يا حشرات النظام، لقد حان وقت الانتقام حصدت طلقاته رجل شرطة أول
ثم ثانٍ ثم ثالث بينما تجمع رجاله حوله ليطلقوا الرصاص على المهاجمين بينما
يحتموا بباب القسم الخارجى لتنهمر الرصاصات فى سرعه من حوله، وتستمر
المعركة عدة دقائق كانت كافية ليتأكد أن المهاجمين من رجال الشرطة قد
تراجعوا أو تساقطوا فى سرعة ليقول وهــو يخفض فوهة مدفعه الرشاش إلى الأرض
:- هل أصيب أحدكم من رصاصات هؤلاء الحشرات ؟ارتفعت همهمات متتالية بما يعنى
أنه لم يصب أحداً فى تلك المعركة القصيرة بينما اقترب منه أحد رجاله بعد
أن توقف إطلاق الرصاص ناظراً إلى نزيف ذراعه الذى لم يتوقف أثناء المعركة
ليقول :- إنك تنزف بشدة يا " جيمى "، أعتقد ان هناك رصاصة اخترقت ذراعك
.التفت إليه "جيمى" قائلاً فى سخرية :- تعتقد ؟ ألا تعتقد أيضاً أننا كنا
فى معركة بالرصاص؟- هذا ليس وقت سخرية يا "جيمى" فجرحك ينزف ولا بُــد من
إخراج الرصاصة حالاً- لا وقت لدينا لمثل هذه التفاهات.ثم علا صوته وهو
يلتفت إلى رجاله قائلاً بمنتهى الحسم :- سننتقل بعد ساعة إلى قسم مصر
الجديدة ويجب أن نكون على أهبة الاستعداد، جهزوا الأسلحة التى استولينا
عليها من القسم وسوف أترك هنا 20 رجلاً فقط وليصحبنى الباقى إلى هناك .ثم
أشار إلى أقرب رجاله وهو يقول :- اطمئن يا "أشرف" الرصاصة اخترقت ذراعى
ونفذت من الناحية الأخرى، سأطهر الجرح ونغـادر بينما سأتركك أنت هنا مع 19
رجلاً تختارهم بنفسك، وفى تلك الأثناء تحرك أحد الرجال تجاه "جيمى" وهو
يقول :- الصور أصبحت جاهزة، كما قمنا بتصوير تلك المعركة الأخيرة وركزنا
الكاميرا على تساقط رجال الشرطة وهروب باقيهم .- جيد، إذن قم بإرسالهم
سريعاً إلى مركز القيادة ولا تنس صور العلم من جميع الزوايا فوق لافتة
القسم .- حسناً سأرسلهم الآن .بعد عدة دقائق أدرك "جيمى" أن رجاله أصبحوا
جاهزين للانتقال للنقطة الجديدة مما جعله يسلك الطريق إلى الداخل لتفقد
الرجال الذين سيظلون بالقسم .- لا بأس يا " أشرف "، رغم اختيارك للوحيد
بيننا الذى يستطيع استعمال " الآر بى جى " ليبقى معـك، لكن حسناً أنا موافق
فلا أعتقد أننا سنحتاجه معنا هناك .قالها "جيمى" وهو يشير إلى أحد الرجال
الذى يحمل مدفعا صاروخياً متوسط الحجم على كتفه الأيمن بينما يحمل باقى
الرجال أسلحتهم ويهرولوا إلى الخارج لذا فقد هتف بهم "جيمى":- احملوا أكبر
قدر ممكن من الذخيرة فنحن لا نعلم ماذا ينتظرنا هنا كثم التفت إلى من تبقى
من رجاله فى قسم مدينة نصر وقال بحزم:- "أشرف" حافظ على موقعك جيداً ولا
تفقده مهما كلفك الأمر،- لا تقلق "جيمى" فكل شبر حررناه من أرض مصـر
الغالية لن يُحتل ثانيةً إلا على جثثنا.. نظر "جيمى" إليه وإلى من سيظل معه
من الرجال نظرة طويلة ثم خطا خارج القسم وهو يتقدم رجاله قائلاً:- إذن هيا
يا رجال يجب أن نتحرك الآن فالطريق مغلق بسبب حظر التجوال ومن المحتمل أن
تواجهنا بعض كمائن الضباط الهاربين .***تعالت وقع أقدام أحد رجال الثورة
وهو يعدو بجوار جامع "سيدى عواض" أحد أبرز معالم مدينة
"قليوب" الواقعة شمال شرق مدينة القاهرة بينما تنهمر الرصاصات من حوله
ليدلف إلى المبنى المجاور للجامع ويقتحم أول باب يقابله ويقول لمن بداخله
وهو يلهث بشدة:- الاتصالات بيننا وبين القيادة مقطوعة يا "ياسين" ولا يمكن
استخدام المحمول حالياً ورجالنا يتساقطون بسرعة، أجابه أحد الرجال بالغرفة
وهو يقوم بتجهيز سلاحه بسرعة:- هناك خطأ ما لا أدرى ما هــو يا "مُحسن"،
لكن ما أعرفه الآن أننا لن نترك أرواحنا تذهب هباءاً، هيا سنقوم بإخلاء هذا
المبنى حالاً وننتقل إلى النقطة 83 فى خلال ربع ساعة .ثم سأل محدثه فى
اهتمام:- ما رأيك هل نقوم بإخفاء وجوهنا أم نظل هكذا ؟-
صدقنى لم أعد أدرى يا "ياسين"،
قتل من رجالنا أكثر من 32 وهم يحاولون الاستيلاء على قسم
الشرطة الذى وجدوٍه مكتظاً بالضباط والجنود ومستعداً لمواجهة أى اقتحام، لا
أعلم كيف علموا بموعد الهجوم الدقيق أو حتى كيف علموا بالضبط بخطة هجومنا؟
حتماً هناك من يسرب لهم المعلومات!!حل الصمت بعد العبارة الأخيرة الصادمة
بينما اتخذ "ياسـين" قراره محدثاً رجاله من حوله:- إذن سنقوم بإخفاء
وجوهنا، على بركة الله سنتحرك الآن، رد عليه أحد رجاله ساخراً وهو يقوم
بتجميع أجزاء سلاحه:- سنعود هكذا للأيام الخوالى حينما كنا ملثمين طوال
الوقت..لم يكد "ياسين" يسمع تلك الجملة حتى ابتسم رغماً عنه متذكراً تلك
الأيام التى يقصدها رفيقه، لكن لم تلبث أن تلاشت تلك الابتسامة سريعاً
عندما تناهى إلى مسامعهم صوت أقدام تقترب فى خفة من باب الشقة، وهنا أشار
"ياسين" إلى رجاله بأن يقوموا بإخفاء وجوههم ويصمتوا تماماً.. وبالفعل
توقفت الأصوات بالقرب من الباب وبدا وكأن صاحبها يستعـد لعمل شىء ما، مما
جعل 3 من الرجال يقتربون بحذر من الباب مشكلين نصف دائرة أمامه وفجأة انفجر
الباب وتطايرت أجزاؤه ليندفع عبره عدة ضباط شرطة مسلحين يقوموا بإطلاق
الرصاص بشكل عشوائى وهنا تراجع رجال الثورة وسط صراخ أحدهم بعد أن اخترقت
طلقات المهاجمين صدره بينما تراجع باقى الرجال ليحتموا بأثاث الغرفة وسط
صياح "ياسين" فى المهاجمين:- ألم تدركوا بعد أيها الأغبياء أنه هذه ليست
معركتكم، لماذا تموتون بدلاً منهم، لقد تركوكم وهربوا وما زلتم أنتم
تدافعون عنهم؟ لكن صرخاته ذهبت هباء فلم يرد عليها أحد بينما تعالى صوت
الرصاص ليسقط أحد رجال الشرطة واثنان من رجال الثورة ولتندفع أعداد كبيرة
من رجال الشرطة عبر الباب، بينما "ياسين" ما زال مختبئاً خلف قطعة أثاث
ودمعة ساخنة تنحدر من عينه وهو يصرخ:- أرجوكم افهموا أنتم لستم منهم أنتم
منا نحن، قضيتنا هى قضيتكم أحلامنا هى أحلامكم أرجوكم افهموا! لكن يجاوبه
صوت واحد من رجال الشرطة وهو يقول لجنوده:- لا تسمعوا له إنه إرهابى حقير
وكاذب وهنا ينهض "ياسين" فجأة ودموعه تغطى وجهه بالكامل بينما يصوب سلاحه
نحو الضابط صارخاً:- أأنا كاذب يا كلب النظام؟؟ إذن هذا هو جزاؤك، ثم يتقدم
عدة خطوات بقوة ويصوب سلاحه إلى صدر الضابط الذى فوجئ بالحركة المباغتة
فاختل توازنه بينما يمطره "ياسين" بالرصاص ليرتجف جسد الضابط بعنف بينما
يكف الجنود من حوله عن إطلاق الرصاص بالتدريج وليبدو المشهد مهيباً
و"ياسين" واقفاً رشاشه بيده بينما جسد الضابط ذو الرتبة الكبيرة لا زال
يرتجف ورجال الثورة بدأوا بالوقوف خلف قطع الأثاث التى كانوا يحتمون بها
ونظراتهم متوترة ومصوبة تجاه الجنود الذين خفضوا أسلحتهم وهم ينظرون لبعضهم
البعـض بينما تقدم أحدهم بعد لحظات طويلة من الصمت تجاه "ياسين" وهو يقول
بصوت يرتعش:- أرجوك لا تقتلنا نحن متعاطفون معكم لكنها التعليمات، نحن لا
ناقة لنا ولا جمل فى الموضوع إنهم يضحون بنا وكأننا مجرد حشرات.نظر له
"ياسين" نظره طويلة متفحصة بينما مسح دموعه وهو يقول له بكل صرامة:- لن
نقتلكم لكن أين باقى الضباط؟- لم يخرج معنا من ضباط القسم سوى الرائد
"حفظى" الذى قُتل بينما باقى الضباط مختبئون فى مبنى القسم وبعضهم مختبئ فى
مبنى المحافظة..أشار "ياسين" بيده لرجاله لكى يفحصوا الجرحى بينما سأل
الجندى:- كم عددكم؟ وكيف عرفتم بموعد هجومنا؟ - عددنا 70 جنديا مُحيطون
بالمبنى وأنا أكبرهم رتبة الآن بعد موت الرائد "حفظى" صدقنى نحن معكم لكنها
كانت الأوامر، لذا دعنى أنا أتكلم مع الجنود وسوف أقنعهم كلهم بالانضمام
لكم لأنهم فى الحقيقة يشعروا منذ وقت طويل بالغضب الشديد تجاه الضباط!-
حسناً سأدعك أنت تتحدث معهم لكنك لم تخبرنى عن كيفية معرفتكم بموعـد
الهجوم؟التفت الجندى حوله وبدا كأنه يبحث عن شىء ما ثم قال فى توتر:- صدقنى
كل ما أعرفه أنهم كانوا ينتظرونكم ومنذ الأمس.. زفر ياسين بصوت عالى وهو
يقول من تحت أسنانه : - لعن الله الخونة فهم من أفسدوا مصر .ثم إلتفت إلى
رجاله وقال بحسم وبصوت جهورى : - رحبوا برفاقكم الجدد فى حركة اليائسون .
*** شرد "يوسف" قليلاً وهو ينظر لسقف الغرفة وأطال فى استغراقه وكأنه يتذكر
بداية كل هذا، كان "يوسف" مهندساً مصرياً عادياً شأنه شأن الكثيرين فى تلك
الأيام من تاريخ مصر، لكن ما حدث وقتها جعل منه شخصاً آخر تماماً ففى
نهايات عام 2011 قام الرئيس المصرى بتوريث حكم البلاد لابنه مما أشعل
البلاد وأدخلها فى دوامة لا تنتهى من الاضطرابات والاحتجاجات العنيفة خلفت
مئات القتلى من المحتجين . فى بداية عام 2012 اندلعت موجة التفجيرات
الطائفية من جديد بين المسلمين والمسيحيين لتحصد حياة عدة آلاف من الطرفين
وتولد احتقان عميق لم ينته حتى الآن، فى 2013 ظهرت الدعوة الأولى لاستقلال
مسيحى مصر بجنوب البلاد بينما ظهرت دعاوى أخرى بأحقية النوبيين والبدو بذات
المطلب. فى نهاية 2014 تحركت إسرائيل لتحتل جزءاً كبيراً من سيناء بحجة
حماية أمنها الإقليمى من الاضطرابات التى تعم مصر . فى 2015 كان الأمر
قاسياً فقد تقلصت سلطة الدولة لتكون أشبه ما يكون بسلطة محافظة القاهرة
ولتتهاوى صورة الدولة المسيطرة فى نظر الكثيرين مما ارتفع بأعداد الجرائم
إلى رقم خرافى وصار القتل والسرقة بالإكراه أمراً عادياً تراه يومياً فى
شوارع القاهرة . فى نهاية 2015 حاول عدة ضباط من ذوى الرتب الكبيرة القيام
بانقلاب عسكرى إلا أنه فشل وتمت تصفيتهم دون محاكمة مع سحق مؤيديهم من
المدنيين . فى 2016 تم إعادة انتخاب ابن الرئيس مرة أخرى وسط عمليات تزوير
كبيرة وفجة وسط حماية السلطات مما جعل الاضطرابات تتجدد لعدة أشهر تقوم
الشرطة فيها بقتل آلاف المحتجين والنشطاء المعتصمين بميادين القاهرة فيما
اصطلح بتسميته "
مجزرة التجديد الرئاسى".
فى 2017 محاولة انقلاب أخرى فاشلة دعمتها إيران قام بها ضباط مصريون فى
سلاح الجو المصرى بمساعدة رجال من الحرس الثورى الإيرانى أسفرت عن إعدام
الضباط الذى بلغ عددهم 70 ضابطا. فى 2018 كانت المرة الأولى التى تهدد إسرائيل فيها باحتلال القاهرة وضمها
إلى عمقها الإستراتيجى الآمن مع شبه جزيرة سيناء مما جعل الرئيس المصرى
يتراجع عن جهوده التى كان يجريها من أجل استعادة سيناء المحتلة . فى نهايات
2018 قصفت طائرات الولايات المتحدة الأمريكية مدينة الإسكندرية بحجة وجود
تحركات عسكرية مريبة تتضمن تهديداً مباشراً لأسطولها البحرى فى البحر
الأبيض المتوسط . فى 2019 انهارت وحدة الدولة المصرية بإعلان محافظة مطروح
انضمامها لدولة ليبيا ومسارعة السلطات الليبية للموافقة على الانضمام
وإعلان أن مطروح أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الأراضى الليبية فى نهايات 2019
تسارعت وتيرة الأحداث الطائفية لتشتعل نصف مبانى القاهرة فى الواقعة، التى
سُميت فيما بعد "حريق القاهرة الثانى" ولتجبر الحكومة على الاعتراف
باستقلال الجنوب وإدارته بالحكم الذاتى من جانب مسيحيى الجنوب . فى 2020
تضغط إسرائيل والولايات المتحدة على الرئيس المصرى ليقوم بتسريح بقايا
الجيش المصرى بحجة أن القوى الدولية تخشى من قيام أفراد أصوليون من الجيش
بعمليات فردية تجاه القوات الأجنبية الموجودة على السواحل الشرقية
والشمالية للبلاد .فى نهايات عام 2020 تنشأ حركة "
اليائسون "
المسلحة على
يد المعارض السياسى " أحمد جبر" ليرفع أفرادها الشعار الذى هز مصر وهو " لا
أخضر ولا يابس " ويقوموا بتنفيذ عدة عمليات مسلحة تستهدف قيادات فى
الحكومة وموالين لها مما يجتذب الآلاف من الشباب للانضمام للحركة.
فى 2021 تخرج مسيرات ضخمة من الجماهير تقدر بمليون متظاهر تأييداً لدعوة
"أحمد جبر"
زعيم حركة "اليائسون" المسلحة وتعتصم بميدان التحرير عدة أسابيع
متصلة وسط هجمات متتالية من قوات الشرطة لتفريق المتظاهرين توقع مئات
القتلى من الجانبين غير أن المظاهرات تتصاعد وتشتد وينضم لها العديد من
المواطنين العاديين. فى 2022 بعد اشتداد التظاهرات المؤيدة لحركة
"اليائسون" يهرب الرئيس المصرى وأعضاء حكومته ليعاودوا الظهور بعد فترة
معلنين موافقتهم على التفاوض مع الحركة، لكن " أحمد جبر " يرفض التفاوض
رافعاً سلاحه أمام الجماهير ومشدداً على أنه لن يقبل إلا بخلع الرئيس
ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى . فى 2023 يعلن " أحمد جبر "زعيم حركة "
اليائسون " عن بدء الكفاح المسلح لتحرير أرض سيناء من القوات الإسرائيلية
مما يجعل أهالى محافظة " مطروح " يعلنوا عن رغبتهم فى العودة الى السلطة
المصرية بشرط تبعيتهم المباشرة لـ " أحمد جبر" وليس الرئيس المصرى مما يجعل
أهالى الجنوب يسيروا على نهجهم فى إعلان انضمامهم لحركة " اليائسون ". فى
2024 تقوم حركة " اليائسون " بتنفيذ أكثر من 100 عملية نوعية تجاه القوات
الإسرائيلية المتواجدة فى شبه جزيرة سيناء مما يجبر إسرائيل على الانسحاب
من سيناء معلنة أن تواجدها فيها يكلفها الكثير، مما يجعل أسهم الحركة ترتفع
إلى عنان السماء وترتج محافظات مصر بالجماهير المؤيدة للحركة فى صراعها ضد
الحكومة المصرية، فى اللحظات الأولى من فجر 6 أبريل 2025 تقوم الحركة
بثورة شعبية مسلحة سميت بإسمها - ثورة " اليائسون" - تستهدف إسقاط الحكومة
المصرية والحزب الحاكم وإقامة حكم ديمقراطى مما جعل أعضاء الحكومة والرئيس
يختفون فى ظروف غامضة . وهنا تنهد " يوسف " بصوت مسموع عندما وصل بذاكرته
إلى لحظة اندلاع الثورة بينما وضع أحد رجاله يده على كتفه ليقول فى هدوء:- "
يوسف" الكاميرا أصبحت جاهزة للتصوير، هيا بنا .قام " يوسف " ببطء من مكانه
وهو يقاوم الصداع العنيف الذى يعصف برأسه بينما يقول لمحدثه :- صدقنى يا "
بيتر " أنا أشعر بالإرهاق جداً ألم يكن من الأفضل أن ننتظر حتى يأتى
"أحمد" ويلقى هو الخطاب بدلاً منى ؟استدار إليه "بيتر " وهو ما زال يربت
على كتفه قائلاً :- وما الفارق بينكما أنت وهو رمز واحد للثورة، ولقد أصر "
أحمد " على إذاعة الخطاب فى موعده وعدم إنتظاره، والحقيقة أنك أفضل من
يلقى الخطاب فينا ثم يكفى أنك " يوسف جبر " أخو المناضل الأعظم " أحمد جبر "
.عندها أطرق "يوسف" برأسه فى صمت وبدا وكأنه يفكـر فى عمق ثم قال بحزم :-
إذن على بركة الله، هيا نذيع خطاب الثورة.