الموت والحبس والمحاكمة العسكرية.. كان مصير عدد من المعتصمين المصريين، موظفين أو عاطلين، الذين كانوا يطرحون مطالب فئوية كفرص عمل أو تحسين ظروف العمل أو تغيير بعض القوانين والحصول على مرتباتهم المتأخرة؛ وذلك بعد تفعيل قانون تجريم الاعتصامات الأربعاء الماضي.
من أحداث الضحايا الذين انتهى بهم الاعتصام إلى الموت تامر محمود (33 عاما) الذي غرق أثناء قيامه بالاستحمام في نهر النيل أمام مبنى التلفزيون بعد أن أغلق أصحاب المحال التجارية والمساجد ودورات المياه أبوابهم في وجه المعتصمين.
واستقبلت أم الغريق نبأ وفاته بالهلع وهي تردد "ابنى مات عشان شقة.. خلى الحكومة ترتاح"، بينما أكدت زوجته سماح أنه لجأ إلى الاستحمام بمياه النيل بعدما أغلقت الجهات المسئولة جميع دورات المياه المحاطة بماسبيرو فى وجه المعتصمين، ولم تسمح لهم بالدخول؛ مما جعل الأهالى تضطر إلى استخدام مياه النيل فى قضاء الحاجات اليومية، بحسب ما نقله عنها موقع "اليوم السابع".
وذكرت سماح وهى حامل ولديها طفلة لا يتجاوز عمرها 4 سنوات أن زوجها كان يبحث فقط عن شقة تؤويه وأسرته الصغيرة، وتحميهم بعد أن تشردوا فى المخيمات.
وبحسب المعتصمين فإن تامر ليس أول حالة وفاه تحدث وسط المعتصمين بعد أن سبقه بيوم شاب بنفس الطريقة يبلغ 18 عاما أثناء دخوله فى سباق مع أصدقائه على السباحة فى مياه النيل، كما توفى شاب آخر إثر وقوع حادث تصادم سيارة.
"شهادة" من أجل 300 جنيه (55 دولار)
وفي الثلاثاء الماضي لقيت مريم عبد الغفار حواس، عاملة مصرية لم تتخط الأربعين، وتعمل بقسم المكواة بشركة المنصورة إسبانيا التى يملك أغلب أسهمها ويديرها المصرف المتحد، تحت عجلات إحدى السيارات التي اندفعت لتخترق اعتصاما شاركت فيه مع زملائها للحصول على الراتب الذي لا يتعدى 300 جنيه.
وذهبت مريم، الأم لثلاثة أبناء، مع زملائها إلى فرع المصرف بشارع الجمهورية بمدينة المنصورة (شمال غرب القاهرة) للمطالبة بصرف رواتبهم عن شهر مايو 2011 بعد أن تأخر البنك عن صرفه لهم، لكن إدارة البنك أخطرتهم بأنه لا توجد أموال لهم، وطالبهم أحد القانونيين بالتظاهر أمام المحافظة حتى يتحرك المحافظ والحاكم العسكرى لصرف رواتبهم من صندوق المحافظة، إلا أن العمال والبالغ عددهم 150 عاملة وعاملا رفضوا مقترحات البنك، وقاموا بالتظاهر وطالبوا إداراته بصرف راتبهم.
وأدى التظاهر إلى تعطيل سير السيارات بشارع الجمهورية، وقامت سيارة خاصة محملة بالطوب الأحمر بالتحرك بسرعة في اتجاه المعتصمين، بدلا من المرور من الشارع الجانبي، فقتلت مريم عبد الغفار حواس، وأصاب سماح محمود عبد العزيز ومرفان محمد، وتم ايداعهن فى مستشفى الطوارئ بالمنصورة.
ونعى المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "الشهيدة"، محملا حكومة عصام شرف ومستشاريه والمجلس العسكرى كامل المسئولية عن كل ما يتعرض إليه العمال من "ظلم وسحق اجتماعى" وصل إلى حد إصدار مرسوم بقانون لمنعهم من مزاولة حقهم فى الإضراب، تقديمهم لمحاكمات عسكرية بدعوى التظاهر وتعطيل العمل.
الحبس
الاعتقال والحبس مصير آخر تربص بعدد من المعتصمين، منهم اثنين من أوائل خريجي الأزهر الذين كانوا يعتصمون مع زملائهم أمام مجلس الوزراء لإلزام الحكومة بإصدار قرار بإعادة حقهم في التعيين؛ كون كل واحد منهم إما أول أو ثاني دفعته منذ عام 2001 وحتى الآن.
وألقت قوات الأمن القبض على عدد من الخريجين بتهمة البلطجة وتعطيل مصالح العمل، وأصدرت النيابة حكما على اثنين منهم بالحبس 15 يوما على ذمة التحقيقات، تم تجديدهما بـ 15 يوما آخرين يوم الأحد.
ومن اللافت أن رئيس الوزراء، عصام شرف، أصدر قرار بتعيين الخريجين المحبوسين، محمد لطفي السيد الأول في دفعة هندسة الأزهر وجمعة جلال محمود الأول على دفعة أصول الدين، ومن غير الواضح إن كان القرار شمل بقية زملائهما أم لا.
محاكمة عسكرية
وفي واقعة أخرى تم تحويل 5 عمال من شركة بتروجيت إلى المحاكمة العسكرية بسبب مشاركتهم في الاعتصام مع عشرات من زملائهم أمام وزارة البترول استمر لمدة أسبوعين.
وكان عمال الشركة المفصولين فصلا تعسفيا وعددهم 150 عاملا دخلوا في الاعتصام بعد رفض المهندس محمد عبد الحافظ، رئيس مجلس الإدارة، عودتهم للعمل في تحدي صارخ لقرار وزير البترول بعودة جميع العمال المفصولين للعمل؛ حيث تمت تصفيتهم من الشركة وإلغاء عقودهم علي خلفية كونهم عمالة مؤقتة.
وبعد رفض وزير البترول مقابلة وفد من المعتصمين قامت الشرطة العسكرية باعتقال خمسة منهم منذ عدة أيام ومساومة العمال بفض اعتصامهم فى مقابل الإفراج عن زملائهم، وهو ما جعل العمال المعتصمين يعلنون استمرار اعتصامهم حتى يتم الإفراج عن زملائهم وحتى تجاب مطالبهم بعودتهم إلي العمل، بحسب ما نشرته صحيفة "الوفد".
وكانت حكومة عصام شرف أصدرت في مارس الماضي قانون تجريم الاعتصامات والإضرابات التي تعطل عجلة الإنتاج، إلا أنه لم يتم العمل بالقانون الذي لاقى اسيتاءا شعبيا واسعا إلا الأربعاء الماضي، وبدأت تطبيقه على اعتصام خريجي الأزهر وفلاحي وزارة الأوقاف المعتصمين بالقاهرة.
وترى الحكومة من جهتها أنه من المستحيل تطبيق كافة المطالب الفئوية – مع إقرارها بمشروعيتها – في الحال، وسبق أن أكد رئيس الحكومة عصام شرف أن الحكومة "لا تحمل عصا سحرية لحل كافة المشاكل الفئوية" بين عشية و