تعد صناعة منتجات الألبان هي النشاط الاقتصادي الأساسي لقرية كفر العرب بمركز فارسكور بمحافظة دمياط، حيث يمتلك أبناء القرية عددا كبيرا من رؤوس الماشية، ومؤخرا عجز أهالي القرية عن توفير علف الماشية نتيجة لغلاء أسعاره، مما اضطرهم لبيع الحيوانات والتخلص منها بأسعار رخيصة حتى فقد المربون ما يقرب من نصف ثروتهم من الماشية، وهو ما ترتب عليه إغلاق معامل تصنيع الألبان وتراجع إنتاجها إلى الربع.
ففكر الباحثون بالجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية بتكليف من المكتب الإنمائي للأمم المتحدة في مساعدة أهالي القرية للنهوض باقتصادها، وبالبحث والدراسة المنهجية تم اختيار مشروع تصنيع الأعلاف من المخلفات الزراعية حتى تستعيد القرية قدرتها على توفير الألبان لاستئناف نشاطها الاقتصادي.
وفي دراستهم وجدوا أن البواقي الزراعية في مصر تقدر سنويا بحوالي 72 مليون طن ففكروا في استغلال هذه الثروة لتصنيع علف بديل للعلف التقليدي وهو "السيلاج" الذي يصنع من البواقي الزراعية التي تهمل وتحرق مثل عروش البطاطا – عروش بنجر السكر – البرسيم، وبعد إقناع أهالي القرية بالمشروع الجديد استعان الفريق ببعض كبار المربين داخل القرية لتجربة العلف الجديد على حيواناتهم وكانت هذه هي أهم مراحل عمل المشروع؛ لأنها المرحلة الاستطلاعية التي تم فيها مطالعة نتائج تجريب العلف الجديد على المواشي، ومدى القبول الاجتماعي من أهالي القرية، والقبول البيولوجي من الماشية للمنتج الجديد.
وبسبب خشية فريق العمل من أن يذهب عملهم وكدهم لفترة تجاوزت العامين (من عام 2008 إلى عام 2010) أدراج الرياح بعد رحيلهم عن القرية وحفاظا على استدامة العمل قاموا بتأسيس جمعية تعاونية لمربي الماشية من أهالي القرية، مهمتها متابعة العمل وتطوير المشروع باستمرار.
ازرع.. تحصد
ونتيجة لهذا العمل الدءوب فقد كانت النتائج من هذا المشروع كما توقعها فريق البحث، حيث قام أصحاب المزارع بالاحتفاظ بالأمهات المدرة للبن بعد أن كانوا يتخلصون منها، كما زاد الإقبال على اقتناء السلالات المرتفعة الإنتاج، وأيضا زادت طاقات معامل الألبان لتعمل بكامل طاقتها بعد أن كانت تعمل بربع طاقتها.
وعلى مستوى الزراعات والتركيب المحصولي فقد حدث تعديل في التركيب المحصولي للقرية حيث أقبل الفلاحون على زراعة محاصيل لم يقبلوا عليها فيما مضى، حيث أن المربين الذين صنعوا سيلاج الذرة في الصيف لم يكونوا في حاجة لزراعة البرسيم في الشتاء، وبالتالي بدأ البعض منهم في زراعة البطاطس أو القمح بدلا من البرسيم.
كما أنه كان من الأمور الضرورية لتنفيذ المشروع توفير بعض الماكينات للتقطيع ومكبس للقش، فقام فريق العمل بتوفير الماكينات اللازمة مما أدخل خبرات وماكينات جديدة للقرية قابلة للتطوير والابتكار.
إمكانات تتحدى المشكلات
وبمنهجيته المعهودة أكد د.حامد الموصلي رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية أنه لابد عند العمل أن نبحث عن المشكلات ثم الإمكانات وأن نعمل بعد ذلك على توحيد تلك الإمكانات والمشكلات، من هذا المنطلق وقع اختيارنا على مشروع يؤمن ويوجد لهذه القرية علفا بديلا عن العلف العادي يتم صنعه من بواقي ومخلفات الزراعة، وبالتالي أرشدنا أهل قرية "كفر العرب" فقاموا بعمل السيلاج أو العلف البديل الذي له نفس القيمة الغذائية ولكن بتكلفة قليلة جدا.
وجسد د.الموصلي المشكلة الحقيقية في بلداننا العربية بقوله إن الناس لا تقدر الموارد التي تمتلكها ويعاملونها وكأنها مخلفات ليس لها فائدة، وبناء على ذلك ينبه الموصلي أنه اختار اسما لجمعيته يعبر عن سياستها وهو "سفراء مخلوقات الله المهملة"، ويفسر ذلك قائلا: لأننا نقوم باكتشاف الموارد المحلية الموجودة على الأرض وقدرات البشر المهدرة من خلال مساعدة الفرد على إعادة اكتشاف موارده وإعادة اكتشاف نفسه أيضا كإنسان منتج أولا ومبدع ثانيا.
طريقة تصنيع السيلاج
ويشرح د.حمدي موسى المشرف الفني على المشروع طريقة إنتاج السيلاج وهو العلف البديل بقوله: تحفظ المادة الخضراء التي تنتج من الأرض الزراعية (البواقي الزراعية) بطريقة الكمر والتخمر اللاهوائي في كومات بعيدا عن الهواء للحفاظ على قيمتها الغذائية طوال العام، وذلك لأن هذه المواد الخضراء تتوفر في وقت معين من السنة وإذا لم نحفظها تتحول إلى مادة جافة خلال يومين فقط، لكن بعد السيلاج تحفظ المادة الخضراء لمدة تتراوح من 6 شهور إلى سنة.
بعدها يتم إضافة بعض المواد الأخرى للمادة الخضراء لتزويدها بقيمة غذائية أعلى مثل البطاطا والذرة والمولاس (العسل الأسود في صورته الخام)، أيضا قش الأرز تتم معالجته باليوريا حتى تزيد وتتحسن قيمته الغذائية.
ويراعى أن يكون المكان الذي يحفظ فيه السيلاج جافا ونظيفا وظليلا وأن يكون بمنطقة متسعة يمكن الوصول له بسهولة، وبالإشارة لأسعار العلف العادي ومقارنتها بالعلف البديل نجد أن طن العلف العادي يقدر بحوالي 1700 جنيه أما العلف البديل "السيلاج" فيقدر بـ700 جنيه فقط (هذا عند شرائه، أو بيعه) لكنه لن يكلف المربي شيئا إذا صنعه بنفسه.
بين العلف العادي والسيلاج
ويحل العلف البديل "السيلاج" محل العلف العادي بنسبة تصل إلى 70% تقريبا، وذلك لأنه لا يمكن الاستغناء عن العلف العادي نهائيا في بعض الحالات، ويتم تحديد ذلك بعد الرجوع إلى نوعية الماشية (كونها تربى للحم أم للبن) وعمرها واحتياجاتها الغذائية.
فهناك مثلا حيوانات تعتمد في تغذيتها اعتمادا كاملا على العلف البديل "السيلاج" مثل أنثى البقر أو الجاموس في حالة عدم الإنتاج عندما تكون عشارا، أيضا في مراحل النمو الأولى -بعد الـ6 شهور وحتى السنة- نقوم بالاعتماد الكامل على السيلاج مع العلم بأنه لا يمكن أن نقوم بتغذية الحيوان بعد ولادته وحتى الستة أشهر الأولى من ولادته بالسيلاج.
أما بعد السنة الأولى من عمر الحيوان يدخل السيلاج في مرحلة التسمين فنقوم بخلط نسبة من العلف العادي للسيلاج، وبناء على ذلك يكون العلف البديل "السيلاج" له نفس تأثير العلف العادي في التسمين والناتج من اللبن ولكن بمراعاة الأمور التي أشرنا إليها في الفقرات السابقة، واستشارة المتخصصين.
مصادر:-
حوار مع فريق الباحثين بالجمعية المصرية للتنمية الذاتية يتكون من د.حمدي موسى أستاذ بكلية الزراعة جامعة عين شمس، أ.د.علاء الطحان أستاذ تغذية الحيوان معهد بحوث الإنتاج الحيواني م. محمد التهامي عميد مهندس، م. أشرف مهندس زراعي، وغيرهم ممن ساهموا في هذا العمل الرائد في مجال التنمية المحلية.
- كتاب التنمية الذاتية بكفر العرب صادر عن الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية.
- مركز فارسكور بمحافظة دمياط بمصر شمال الدلتا.