{
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }القصص26..
وعن أبي ذَرّ
قال:
قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟
قال: فضرب بيده على منكبي،
ثم قال: "يا أبا ذَرّ، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها". وهو الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(
مَا أظلَّت الخضراء ومَا أقَلَّت الغبراء أصدَق لهجةً من أبي ذرٍّ).
هو أَبُو ذَرٍّ، جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ، وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ، وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ ومع ذلك لم يجد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤهلات الكاملة لتولى ولاية ما.
متطلبات وظيفةهكذا نرى أن للاستئجار شروط مانعة وشروط واجبة فعلى الرغم من صفات الصحابى الجليل التى ذكرناها إلا أنها لم تؤهله للولاية على شئ، ونحن لا نستعرض الشروط الواجب توافرها أو الشروط المانعة ولكن حديثنا عن الأصل وهو وجود شروط من حيث المبدأ.
فلو أن لأحدنا شركة وأراد أن يعين لها مديرا فلابد وأن يضع شروطا لتولى هذا المنصب الذى يقود الشركة، ولا يعقل أن يأتى بالعاملين ويطلب منهم اختيار أى شخص يتفقون عليه ليديرهم دون وضع شروط لمن يجب عليهم أن يختاورا.. وهذا فى شركة فما بالكم بدولة.
لقد راعنى وأرعبتنى هذه الفوضى الترشيحية لرئاسة الجمهورية دون أدنى ضوابط ومؤهلات فنية لشغل هذا المنصب، والناس انبروا يؤيدون ويعارضون دون اعتبار لأية قواعد غير تلك الشكلية التى تضمن الترشح كالسن والجنسية وحشد عدد من المؤيدين.
إن أية وظيفة مهما تدنت فى السلم الوظيفى ينبرى المسئولون لتحديد شروط لتوليها، وبعد انطباق هذه الشروط تتم المفاضلة، وهذه الشروط تقع فى أربعة أبواب رئيسية هى: المؤهلات الدراسية العلمية والخبرات والمهارات والتدريب الذى حصل عليه المرشح للوظيفة.
إن رئاسة الدولة إن كانت رئاسية فهى تحتاج فقط إلى اللباقة وإعجاب الآخرين وقدر من الثقافة، أما إن كانت غير ذلك فلابد للرئيس من التمتع بقدرات إدارية وممارسات سياسية علاوة على عدد من القدرات الأخرى.
إنه لمن العجب أن يخضع العامل البسيط لشروط فنية لتوظيفه ولا يخضع رئيس الدولة لشروط تضمن حسن إدارته لها بغض النظر عن معتقداته أو أفكاره وآرائه.
قواعد للاختيارإن الناخب العامى لن يختار مرشحا بناء على برنامجه؛ فالبرامج لن تعنى الكثير ولن يكون بينها اختلافات جوهرية ولكن عموم الناخبين سيختاون رئيسهم على أسس مختلفة بعيدة تماما عن قدراته على إدارة الدولة مثل التيار الذى يمثله أو قبوله لدى الناس أو نظافة صفحته وتاريخه أو عصبية العائلة أو العشيرة أو البلدة .....الخ. ولا مانع أن يتم الاختيار على أساس هذه الاعتبارات ولكن يجب أن تنحصر هذه المفاضلة بين من هم أهل لهذه الوظيفة التى سيوظفه الشعب فيها.
لقد تعجبت من وجود مرشحين لم يعرف عنهم إدارتهم لعشرة أفراد فكيف سيديرون دولة قوامها 85 مليون، وهناك من ليس له أية ممارسات سياسية أو جماهيرية ولا علاقة له بالناس فكيف سيسوس أمة ويشعر بها، وهناك من كان يعمل بين الدراسات والمناظرات بعيدا أحوال الناس ...الخ.
إن النوايا الطيبة والحسنة ضرورية والحماس كذلك هام جدا ولكنهما بغير قوة ونعنى بالقوة القدرة العلمية والعملية المؤهلة لتحقيق الإنجاز لا قيمة لهما.
مواصفات خاصةإننى أخاطب أولى الأمر بوضع شروط ومتطلبات تتناسب مع المهمة لقبول الترشيح من حيث المبدأ غير تلك الشروط العامة مضافا إليها القدرة الصحية على إدارة المهام.
كذلك أخاطب كل مرشح أن يراجع نفسه ويعرض خبراته وعلمه وقدراته وإمكانياته على تلك المهمة الضخمة التى هى حسرة وندامة يوم القيامة إلا من قام بحقها، وكما قيل "لا يذلن المرء نفسه بأن يحمل نفسه من الأمر ما لا يطيق"، وفى الجهة المقابلة فإن من وجد فى نفسه تلك القدرات فلا يجوز له أن يتقاعس.
والسؤال: هل ستطيق حساب ربك وأنت غير مؤهل لهذه المهمة؟وأيضا هل ستطيق حساب ربك وقد تقاعست وأنت مؤهل لتلك المهمة؟..
فلنرحم المرشحين من السؤال الأول على الأقل بأن نكفيهم عناء الإجابة.
إنها دعوة لوضع متطلبات شغل وظيفة رئيس الجمهورية.