وناس الطيب وسام الاندلس


عدد المساهمات : 35 تاريخ التسجيل : 29/05/2010
 | موضوع: ابن الجزّار : رائد طب الأطفال وطب الفقراء الجمعة أغسطس 12, 2011 8:30 pm | |
|
هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد القيرواني، ابن الجزار المعروف عند الغرب باسم Algizar ولد حوالي سنة 898 في القيروان وعاش فيها وبها توفي سنة 979 ميلادي عن نيف وثمانين عاما. وترعرع ابن الجزار في أسرة اشتهرت بالطب فنشأ منذ صغره مولعا بهذا الميدان . وتتلمذ على يد عمه أبي بكر محمد الطبيب الجراح وعلى يدي إسحاق بن عمران وقد نال شهرة واسعة في عصره رغم أنه لم يغادر تونس، فكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى القيروان لتحصيل الطب عنه. ويذكر ابن ابي أصيبعة في ترجمته أنه كان يقوم بتركيب الأدوية بنفسه وكان لا يغادر القيروان إلا لرباط المنستير فيقول «وكان ينهض في كل عام إلى رابطة على البحر المستنير وهو موضع مرابطة مشهور البركة مذكور في الأخبار على ساحل البحر الرومي فيكون هنالك طوال أيام القيظ (...) وكان قد وضع على باب داره سقيفة أقعد فيها غلاماً (...) أعد بين يديه جميع المعجونات والأشربة والأدوية فإذا رأى القوارير بالغداة أمر بالجواز إلى الغلام وأخذ الأدوية منه ...». وهذا الفعل من ابن الجزار يُدلِّل على اعتماده على المنهج العلمي المتميز في الفصل بين الطب والصيدلة أثنـاء دراسـته لهمـا وأثناء علاجه للمرضى، الأمر الذي جعله يحـتل مرتبـة علميـة كبـيرة فـي المغـرب الإسـلامي كتلك المكانة التي احتلَّها الرازي في المشـرق الإسـلامي، بـل إن ابـن الجـزار قد فاق الرازي في تفريقه بين مكان العيادة للمرضى ومكـان صرف الأدوية، فكانت له عيادته الخاصة التي فتحها في منزله ليفحص بها المرضى، أمـَّا صيدليتـه فقـد أقامهـا على باب داره وأقعد فيها غلامًا له -كما أخبر ابن أبي أصيبعة فيما سبق- وهذا الفصلُ من ابن الجزار بين الطب والصيدلة لم يكن ليقتصر على النواحي المهنية المتطلبة لذلك فحسب، بل يمكن أن نُضيف حسن أخلاقه، وترفُّعه عن الطلب وخاصة من الفقراء والنساء لذلك لم يكن ابن الجزار يُعطي النساءَ الأدويةَ بصورةٍ مباشرة حتى لا يجبرهن على دفع قيمتها، أو لعله لم يكن يفعل ذلك مخافة النظر إليهن، والميل إليهن ومن ثََمَّ كان يُقعد غلامًا له ليعطي المرضى ما يحتاجونه من أدوية وغيرها، بِنَاءً على وصف ابن الجزار لها. ومن إسهامات ابن الجزار قيامه بتعديل القوانين الطبية العامة وضبط أسماء النباتات بثلاث لغات هي العربية واليونانية والبربرية كما أنه واضع القاعدة الطبية المعروفة والتي مازالت سارية المفعول: «يتداوى كل عليـل بأدويـة أرضـه لأن الطـبيعة تـفزع إلى أهلها». ويعود الفضل في شهرة ابن الجزار كذلك إلى انتشار كتبه التي تناول فيها أبوابا مختلفة من الطب كطب الأطفال والحلق والأنف والحنجرة والأوبئة. كما أنه أول طبيب عربي يكتب في التخصصات الطبية المختلفة مثل طب الأطفال وطب المسنين. ومن مؤلفاته كتاب «زاد المسافر وقوت الحاضر» وهو أشهر كتب ابن الجزار في الطب، ترجمه قسطنطين الإفريقي (تونسي ولد في قرطاج وتوفي سنة 1087) إلى اللاتينية، كما ترجم إلى اليونانية والايطالية. وقد كانت للكتاب شهرة واسعة بين أطباء القرون الوسطى، وظل يُدرًّس في الجامعات الأوروبية حتى القرن السادس عشر. كما وضع ابن الجزار كتاب «سياسة الصبيان وتدبيرهم» وتحدث فيه عن علل الأطفال وكيفية معالجتها بالأساليب الطبيعية وبالنباتات الطبية، ورسالة في «طب الفقراء والمساكين». ويذكر ابن أبي اصيبعة العديد من المصنفات الأخرى لابن الجزار فيقول «ولابن الجزار من الكتب كتاب في الأدوية المفردة ويعرف بالاعتماد كتاب في الأدوية المركبة ويعرف بالبغية وكتاب «العدة لطول المدة» وهو أكبر كتاب وجدناه له في الطب ورسالة في الزكام وأسبابه وعلاجه ورسالة في النوم واليقظة ومجربات في الطب ومقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه ...». وتوجد مخطوطات كتبه في تونس وفرنسا والمغرب وألمانيا وبريطانيا وتركيا والهند والفاتيكان، وهـو ما يدل على المكانــة البارزة التي كان يحــتلها ابن الجزار في عالم الطب لقرون طويلة. وقد اعتبره المؤرخ التونسي حــسن حسني عبد الوهاب «الدرّة الفــريدة من القلادة وإحدى المفاخر الدائـمة للعـلوم في العالـم الــعربي والإسلامي بأسره».
| |
|