وناس الطيب وسام الاندلس


عدد المساهمات : 35 تاريخ التسجيل : 29/05/2010
 | موضوع: بئر بروطة : زمزم القيروان (( تونس )) السبت أغسطس 27, 2011 8:44 pm | |
|



شكّلت مسألة الماء مشكلة إستراتيجية ملحة للمواطن القيرواني، فعقبة لم يبن مدينته على نهر جار أو عيون بل كان همّه الأول الابتعاد عن جبال البربر وشواطئ البيزنطيين وضمان القوت لإبل الجيش فاختار منبسطا من الأرض لا ماء فيه تحيط به السباخ فأمن على قيروانه من هجوم البربر وغارات المراكب البيزنطية، وكان على الذكاء القيرواني أن يجد الحلول لهذه المسألة فانتشرت الفسقيات والمواجل لا تفرّط في قطرة ماء تنزل من السماء وتدخرها حين الجفاف، وحفروا الآبار مالحة غالبا وعذبة أحيانا. من أقدم هذه الآبار بئر أوطة المشهور ببروطة وقد تكون هذه البئر هي التي أحدثها هرتمة بن أعين لما كان واليا على افريقية سنة 180هـ/ 796م فقد ذكر الرقيق في تاريخه انه حفر بئرا واسعة الفم لها سفرة رخام، غزيرة الماء بالقرب من سوق الأحد. وتولى الباي محمد بن مراد إعادة بناء المعلم بصورة جذرية عند إقامته بالقيروان سنة 1101هـ / 1690م. وتشمل البئر على مدرج يفضي الى صحن توجد عند جانبه الأيمن قبة على طراز القباب القيروانية تتميّز ببساطتها وخلوها من الزخارف وهي تعلو البئر التي توجد بها ناعورة يديرها جمل موقوف عليها معصّب العينين وماؤها يخرج رقراقا في قواديس من الفخار . ويوجد أسفل جدار المعلم الخارجي من ناحية سوق الزرابي المطل على الشارع الرئيسي للمدينة سبيل محلاّة بحنفيات من الرخام يتزود منها الأهالي بالماء الصالح للشراب. وفي أعلى هذا السبيل رخامة نقش عليها بالرصاص أبيات مؤرخة من سنة 1101هـ مطلعها: فلله رب الجود در سقاية بدا حسنها للناظرين فأيقنا. وترتبط البئر بحكاية تأسيسها برواية أقرب للأساطير منها إلى الحقيقة فبروطة نسبة إلى روطة وهو اسم كلبة سلوقية، التي عادت إلى جيش الفتح ورجلاها مبللتان بالطين، وكانت تبحث عن الماء؛ فعمقت تلك العين في ذلك المكان الذي كان قاحلا، وأطلق اسم بئر أوطة عليها تحول بعد ذلك على ألسنة الناس إلى بروطة. وللجمل ارتباط كبير بهذا البئر ضُرب به المثل في تونس فيقال: مثل جمل بروطة يدخل حوارا (صغير الجمل) ويخرج أطباقا، (أي أنه يُذبح ويخرج لحما) حيث كان الدرج ضيقا جدا لا يسمح بخروج الجمل فيدخل إلى البئر صغيرا ولا يخرج إلا بعد ذبحة وقطع لحمه ولكن الآن وبعد التحسينات التي أدخلت على البئر أصبح للجمل اصطبلا يأوي إليه حين انتهاء عمله. ولماء بروطة مكانة خاصة عند القيروانيين والزوار تصل حدّ الاعتقاد أنّها تتصل ببئر زمزم في روايات يروونها عن أحد الصالحين الذي لقي ما سقط من بعض السكان فيها في بئر زمزم لما ذهب إلى الحج، كذلك يسود الاعتقاد أنّ من شرب من مائها عاد إليها وأنّه شفاء من عديد الأمراض ويتبركون به ولا يبيعونه فهو سبيل مفتوح للجميع منذ حفره إلى الآن. وقد خلّد الشعراء هذه البئر واحتفوا بها فقال أحدهم: يا قيروان وددت أني طائر فأراك رؤية باحث متأمل يا بئر روطة و الشوارع حولها أبدا تعج من العباد و تمتليواحتفى بها المعماري القيرواني فحلاها بالقباب والجليز الملوّن وجعلها معلما تُشدّ إليه الرحال. | |
|