فرحة العيد في تونس كما في اغلب البلدان الاسلامية لا تبدأ صبيحة يوم
العيد بل منذ ليلة 27 رمضان وهي «ليلة القدر» في الاعتقاد العام لانها
ليلة وتر وفيها تحترم تلاوة القرآن وتمتد الأيادي بالدعاء ويقوم الناس
بصلوات التهجد حتى انبلاج الفجر فما بالك اذا تزامنت هذه السنة مع يوم
الجمعة. وفي ليلة 27 رمضان يكثر الناس من الاعطية والصدقات وفعل الخيرات
كما يتبرك بها الشعب التونسي حيث تقام افراح «طهور» الذكور من الابناء كما
تحمل العائلات المتصاهرة حديثا «الموسم» اي هدية الخطيب لخطيبته.
وفي
الثلاثة ايام الاخيرة قبل العيد تصبح البلاد «قائمة» كما يقال على قدم
وساق استعدادا لاستقبال عيد الفطر المبارك من حلاقة ونظافة وتجمل للرجال
والنساء على حد سواء فتكتظ محلات الحلاقة والحمامات العمومية ويكون العمل
بها الى وقت متأخر كثيرا كما تنسج المقاهي على هذا المنوال مع تفشي ظاهرة
خفية لكن جد مذمومة هي المغامرة في سهرات رمضان وخاصة في ايامه الاخيرة
لتصفية الحسابات وضمان اكثر مقدار ربح وكم من شخص انتهى بسبب هذه
المغامرات بالانتحار لانه افنى كل مرتبه وموارده المالية فتأكله الحسرة
بعد الطمع والخسارة ولا يجد ما يشتري به لباس العيد والعاب العيد لابنائه
وحتى طعام عائلته يوم فرح الناس فيتخلص من نفسه بما يزيد من مأساة افراد
اسرته.
أما القطاعات الاخرى التي تؤشر على حركية العائلات التونسية في
استعدادها لاستقبال يوم العيد فهي المخابز التي تنضج الحلويات التونسية
التقليدية ووسائل النقل العمومي او الخاصة التي تسهر على تأمين السفرات
للمواطنين وتقريب المسافة والقلوب بينهم لتقاسم فرحة الاعياد في اجواء
عائلية ممتعة كما تزدهر تجارة العاب الاطفال وبيع الملابس والاحذية وغسيل
السيارات ليتواصل عمل اصحابها الى الافجار بل حتى ايام العيد لانه ثمة من
يؤخر شراء مستلزمات عائلته او يتعذر عليه ذلك حتى يوم العيد.
ومنذ
انبلاج فجر عيد الفطر المبارك تبدأ المقابر والمساجد والجوامع تعج بالخلق
الكثير للترحم على الاموات ولاداء صلاة العيد كما تبلغ ظاهرة التسول
واستدراج عطف التونسي وانتفاخ جيبه اوج رواجها وسقف أرباحها في هذه
الايام التي تعد بحق ايام تكافل وتراحم.
كما تزدهر للأسف يوم العيد
تجارة بيع الخمور بعد منعها طوال شهر رمضان ومن نتائج الافراط فيها في هذا
اليوم السعيد تسجيل حالات حوادث السياقة في حالة سكر وكذلك المعارك
الأليمة التي تحكم فيها ام الرذائل.ولئن كانت طلقات مدفع رمضان الغائبة
البارزة في عيد هذه السنة كما في رمضانها فإن بوطبيلة او طبال السحور لا
يغيب البتة عن قرعه وتزميره واهازيجه وادعيته في صباح يوم العيد خاصة في
الاحياء التي ألفها وألفته.
وما يشد بحق في تقاليد احياء يوم العيد في
تونس هو ارتباطه ببعض انواع الاكلات بعدد من جهات البلاد من ذلك مثلا
«الشرمولة» بصفاقس وهي اعداد اطباق السمك المملح وهو باهظ الثمن مع اضافة
الزبيب والبصل اليه ونفس الشيء بجربة مع اضافات اخرى في الطهي ومن فوائدها
تحفيز الرغبة في شرب الماء وبالتالي تحقيق الارتواء وعادة طبخ الفول في
جهة توزر وتوزيعه على الضيوف ومن فوائده تقوية المعدة وتهيئتها لما بعد
الصوم، اما أكلة العيد في ولايتي المنستير وبنزرت فتتمثل في طبخ الأسماك
الشهيرة ببحرهما وتبادل الأطباق بين الاجوار والاقارب والتنافس في اعداد
الاشهى.
ويعد اهالي الكاف «المشكّلة» وهي نوعية راقية من الحلويات
التقليدية الجزائرية (البتي فور) واذا تزامن عيد الفطر في تحركه السنوي مع
شهر ماي يتم اعداد البرزقان وهي طبخة تجمع بين لحم الضأن والفواكه الجافة
والحليب ومرتبطة بعيد مايو ذي الجذور الاحتفالية بالزراعة وتقديس
الطبيعة.
وخلاصة القول ان العيد الذي تغنى به الشعراء والمطربون وخاصة
الفرق الصوفية التي تعدد فيه افضال الاسلام ومآثر الرسول صلى الله عليه
وسلم يظل مرآة يرى فيها التونسي حالته النفسية والعاطفية فهو يوم فرح اذا
استقام شأن العائلة حضورا وصحيا وماليا وهو يوم انكسار ووجيعة روح اذا كان
بعض افراد العائلة في الخارج او في المستشفى وحتى في السجون او اذا غيبّه
الموت لكنه في الاغلب عيد انشراح ومرح وتقارب وتسامح وترك للضغائن وشفقة
على المحتاجين والمعوزين.