إن من السنة ألا يصاحب المؤمن إلا من يثق بدينه وأمانته
ويعرف صلاحه وتقواه،
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه-: عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: " لا تصحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي"؛
لأن مصاحبة غير المؤمنين مضرة في الدين،
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته
لأن المطاعم توقع الألفة، والمودة في القلوب ولأن الطباع سراقة،
ومن ثم قيل صحبة الأخيار تورث الخير
وصحبة الأشرار تورث الشر كالريح إذا مرت على النتن حملت نتناً،
وإذا مرت على الطيب حملت طيبا،
وصحبة من لا يخاف اللّه لا يؤمن غائلتها لتغيره بتغير الأعراض
قال تعالى " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"
والطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري .
قال حجة الإسلام: والإخوان ثلاثة:
أخ لآخرتك فلا نزاع فيه إلا الدين،
وأخ لدنياك فلا نزاع فيه إلا الخلق،
وأخ لتسأنس به فلا نزاع فيه إلا السلامة من شره وخبثه وفتنته.
قال في الحكم:
لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على اللّه مقاله.
وقال التستري:
احذر صحبة ثلاثة: الجبابرة الغافلين،
والقرّاء المداهنين
والصوفية الجاهلين، أي الذين قنعوا بظاهر النسبة وتحلوا للناس بالزهد والتعبد وهؤلاء على العوام فتنة وبلاء.
وقال عليّ كرم اللّه وجهه:
قطع ظهري رجلان:
عالم متهتك،
وجاهل متنسك،
فالعالم يغر الناس بتهتكه،
والجاهل يفتنهم بتنسكه،
فعليك بامتحان من أردت صحبته لا لكشف عورة بل لمعرفة الحق هذا،
ومهما يكن من أمر فإن مخالطة غير التقي يخل بالدين ويوقع في الشبه والمحظورات؛ إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحة في إغضاء عن منكر فإن سلم من ذلك، ولا يكاد، فلا تخطئه فتنة الغير به،
ولا يستويان أبد مؤمن وفاسق،
قال تعالى :"أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ" (السجدة:18-20).
ولقد أحسن من قال:
تجنب قرين السوء وأصرم حباله **** فإن لم تجد عنه محيصا فداره
وأحبب حبيب الصدق وأحذر مراءه *** تنل منه صفو الود ما لم تماره
وفي الشيب ما ينهى الحليم عن الصبا ***إذا اشتعلت نيرانه في عذاره
وقال آخر:
اصحب خيار الناس حيث لقيتهم ***خير الصحابة من يكون عفيفا
والناس مثل دراهم ميزتها ***فوجدت منها فضة وزيوفا
وفي الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة" لفظ مسلم. وأخرجه أبو داود من حديث أنس.
وذكر أبو بكر البزار عن ابن عباس قال:
قيل يا رسول الله؛ أي جلسائنا خير؟
قال: "من ذكركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله".
وقال مالك بن دينار:
إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار
خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار
وصاحب خيار الناس تنج مسلما
وصاحب شرار الناس يوما فتندما
قال العتابي لصاحب له:
ما أحوجك إلى أخ كريم الأخوة، كامل المروءة،
وإذا غبت خلفك،
وإذا حضرت كنفك،
وإذا نكرت عرفك،
وإذا جفوت لاطفك،
وإذا بررت كافأك،
وإذا لقي صديقك استزاده لك،
وإن لقي عدوك كف عنك غرب العادية،
وإذا رأيته ابتهجت،
وإذا باثثته استرحت.
قيل:
لا تصاحب إلا رجلاً ترجو نواله أو تخاف يده،
أو تستفيد من علمه أو ترجو بركة دعائه.
وقال أبو جعفر بن محمد:
عليك بصحبة من إن صاحبته زانك،
وإن خدمته صانك،
وإن نزلت حاجة ما بك أعانك،
وإن سألته أعطاك،
وإن تركته بداك،
إن رأى حسنة أظهرها أو سيئة سترها.
وأخذ جماعة من اللصوص فقال أحدهم:
أنا كنت مغنياً لهم،
وقيل له: غنِّ.
فغنى: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي.
فقيل له: صدقت ؟؟؟! وأمر بقتله.
وفى الشعر
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه
وللناس على الناس ... مقاييس وأشباه
وقيل:
انظر من تجالس فقل حصاة طرحت مع حصاة؛ ألا أشبهتها ؟
ومن ثم فلا تصاحب إلا مطيعاً
ولا تخالل إلا تقيا
والمرء يحشر مع من أحب كما ورد في الحديث الصحيح؛
ولذا يشترط بعض العلماء شروطاً فيمن تريد معاشرته منها أن يكون ذا عقل موفور يهدي إلى محاسن الأمور,
إذ صحبة الأحمق شؤم لأنه يريد أن ينفعك فيضرك,
ولذا قال بعض الحكماء عداوة العاقل أقل ضرراً من مودة الاحمق،
ومنها الدين لأنه يرغبه في الخير وينفره عن الشر والمتهاون به عدو لنفسه مهلك لها فكيف يرجى منه مودة لغيره ؟.
قال بعض الحكماء
" اصطحب ذا الدين والحسب والرأي والأدب"،
ومنها أن يكون محمود الأخلاق
مرضى الأفعال
مؤثراً للخير آمراً به،
كارهاً للشر ناهياً عنه؛
فإن مودة الشرير تكسب الأعداء وتفسد الأخلاق،
ولا خير في مودة تجلب عداوة وتورث مذمة وملامة،
ومنها أن يكون كل من الصاحبين عنده ميل لصاحبه ورغبة في مؤاخاته فان ذلك أوكد لحال المؤاخاة وأقوى لأسباب المصافاة.
وبالتأمل فيما تقدم من هذه الشروط الأربعة
تجد أن من فسقة شبان هذا الزمان لم يتصفوا بواحد منها بل هم على العكس من ذلك،
فالفاسق لا عقل له
ولا دين عنده،
سيء الأخلاق
مؤثر للشر وآمر به نافر كل النفور عن ذي الصلاح والدين ميال كل الميل لمن يشاركه في الفسق ويشاطره المعاصي ( قرين السوء )
فمن كانت هذه صفته تكره معاشرته.
قال الفقهاء:
تكره معاشرة من لا يصلي ولو كانت زوجة،
ولكن الزوج لا يجب عليه طلاقها؛
لذلك فإذا كرهوا معاشرة من يترك الصلاة فقط ولو كان ألصق الناس به؛
فلأن يكرهوا معاشرة من يترك الصلاة وغيرها من أركان الدين ويفعل ماحرمه الدين الحنيف من باب أولى،
فكل قرين بالمقارن يقتدي –
فعليك نفسك ولا تصاحب فاسد الأخلاق من الشبان غير مكترث بأمور دينه
فإنك إن فعلت ذلك هلكت مع الهالكين..
نعم إن قصدت بصحبته إصلاحه وإرشاده لدعائم الدين القويم وتحذيره مما هو واقع فيه ليكف عنه فإنك تثاب على هذا؛ إذ ربما يهديه الله سبحانه وتعالى على يديك وتكون سبباً في إخراجه من الظلمات إلى النور .
وفق الله تعالى جميع الشبان إلى هدايته وطاعته .