قال: تمرّست بعشق الكتب "الصّفراء"
وتلك ذنوب
ها أنت تخاتلنا.. في السّرّ.. لتبتاع كتابا.
قلت: أتوب.
أستغفرك اللّهمّ إله الجوع
فذنبي لا يمحوه الدّمْع وأنت الغفّار المرْهوب
لن أقرأ بعد اليومْ
يكفينا عرشك يامولاي ففيه العلمْ
أن العالم والعلاّم
وأنت الكاتب والمكتوب
مولاي.. العفو
فلن أقرأ بعد اليوم
أعود.. غبيّا
مولاي... أعود كما تبغيْ.. ولدا أمّيّا
مولاي.. تطهّرت من الحرف بنار الجوع
استسلمت.. وأسلمت غواياتيْ
ماتْت في النّفس... ضلالاتيْ
------------
لكنّ الرائد لا يكذب أهلهْ
وأنا أعرف أنّي وطني
بلْ أسكنه أوْ يسْكنني
لا أخطئه أوْ يخطئني
أعرف أنّ الزّمن الجامح
في الأحداق الغضْبى..
زمنيْ.
---------
خذينيْ ، خديجة ، إنّ الهوى متلفٌ
وبعضٌ من العشق يذْوي الفؤاد
فكيف إذا عشْتك الدّهر وجْدا
وكيف إذا خضت في الجمر حتى الرّماد.
خذيني إليك... تعاليْ إليّ
فهذا الفؤاد اللّجوج الحرون يزيد اشْتعالي
فيزدرد الصّبر ذرّات طيني
وتذرو الوساوس بقْيا يقيني
وآهٍ .. خديجة...
حين تهسهس، في الصّمت، أصداؤك الحانيات
فيزهر في الصّدر حلمٌ وضيءٌ
وأدخل بستانك الليلكيّ
ترفرف روحك فوق الظّلام
تضوء على بسمةٍ آسرهْ
وآوي إلى سرْوةٍ ساهرهْ
فترخي ظلال الجدائل
يحْنو بليل التّراب
------------
وأنساق في ساحرات الخواطر
أغفو على الصّدر أشلاء طفلٍ
تباغتني الشمس.. لدْغا
ويستيقظ الحلم... وهما
كأنّي.. تراود كفّاي بعض السّراب.
----------
وهذا هو العام .. يخْبو
ونستقبل اليوم عاما.. سيحْبو
كذا أعلن السّاهرون الحواة
وهم يسفحون على الخصْر والسّاق
أنخاب عمْرٍ سعيدٍ
وعامٍ جديدٍ
فينساب ذا النّخب في الرّوح نارا
فماذا سيحمل طيني ممّا مضى؟
وأيّ جديدٍ سيسْتنْبت الدّهر في غابة الرّوح؟
هذا ترابي يبابٌ
وهذا القطيع المعربد يمضي إلى هالك الشّوط
يمضي سعيدا
ويزْهو بنير الحواة
يغيّب حتى وراء الغياب
---------------
لا جسر يوصلني إليك ولا مراكب..
تجمع المنثور منّي، أوْ أجدْ
قمرا ، يضيء الدّرب في نفسي إلى نفسي
فآهٍ... ألْف آهٍ.. كمْ أجدْ؟..
--------------
طليقٌ...
وأنت حبيسٌ بأوهام عمْرٍ مديدٍ، مضى وانقرضْ
وعمرٍ سيمضي.. بددْ.
حبيسٌ..
وأنت طليقٌ بغولٍ من الطّين
تشْقى بأوزار أعوامك الهاربات
ويسْعد حين يقضْقض أعصابك التّالفات
ويلفظ بقْيا من القلب،
بعض النّجيع الذي كان يوما.. نجيعا
فأيّ المهار سيجتاز هذي المفازات...؟
لا ماء يروي
وأيّ العصافير يعلو بهذي الفضاءات...؟
لا ظلّ يؤوي
وأيّ هسيسٍ من الرّوح أعْلي إليك
وهذي السماوات سقْفٌ رصاصٌ
ولا ريش يغْوي.
-------------
- أنت الذي أمعنت في البعْد الممضّ وفي التّجنّي
وسرقْتني، وخنقت بعضي، واختلست ضياء عيني.
- بل أنت أغويت البنفسج فازدهى عجبا، وعافته السّواقي
خمسون عاما في الفراغ ولا أريج ولا ترابْ
خسمون تسرقه الغواية ثمّ يوقظه السّرابْ
وطنٌ ولا وطنٌ، وراياتٌ ترفّ ولا نجومْ
كسرتْ سواريها، وألقاها الجنود على التّخومْ
ماذا تبقّى من بقايا ذلك الولد المقسّم بين أحلام المدائنْ
لم يبق ما أخشى عليه قد تسرّب خافقي مزقا
وضاع الكلّ منّي
------------
إنّه زمن التّفتّح فانفتحْ للقادمينْ
لا فرق مابين انفتاح أوْ فتوحْ
كلّ البيارق تنحني
وتطيش أوسمة البلاد على مواطئهم، وتسْتخْذي النّجومْ
زورٌ هو التّاريخ....
لا فتْحٌ.. ولا صوت الأذان يرنّ في أعلى التّخومْ
كلاّ... ولم يخْتلْ على الآفاق خيّالٌ، ولم تصْهلْ خيولْ
لم يبْك "قيسٌ" حبّه يوما ولا لثم الطّلولْ
و "أبو الفوارس" كذْبةٌ كبْرى
يردّدها المغنّي في المقاهي السّاهرهْ
ماكان يوما "عنْترٌ" أو "شنْفرى"
ماكنت شيئا...
إنّك ابن اليوم...
فاخلعْ قلبك المحشوّ بالسمّ القديم وترّهات السّالفينْ
ولْتنْخلعْ من أسْر ماضيك الملوّث بالمخاوف والحروبْ
إفْتحْ لأسراب الحمام فإنّه زمن السّلامْ.
-------------
إلى أين يا صاح..؟!
هذي الرمال تماهتْ مع الماء،
لا أرض للمرهقين الجياع
فأين ستركز رمْح الجسدْ
وأيّ التّلاع سترضى برأسٍ،
تصدّع بالحلم والشّعر، حزْن الرّوايات، وهْج الطّواسين،
حلاّج عصْرٍ، تردّى به العصْر حتّى اخضلال العيون،
وأعْراه منْ ورْده والمددْ.
------------
أقْبلْت على صدْر الشّارع ظلاّ
يتطوّح تحت شبابيك السّحر
يتوكأ جدرانا مائلة أوْ تتوكّأه
يصدح تحت الشّباك الهاجع ما يحفظ من شعر الحبّ
وأخبار الغزل
يتداعى العشق على قدميْ ربّته، وتصيح:
يا ربّ العشّاق جميعا،
ألْهمْ هذا الآبق بعض العفّة،
واسكبْ في عينيه قليلا من ماء الصّبر.
تنْصبّ عليه اللّعنات، من نافذةٍ، لا تهجع أبدا
-----------
لم نبتعدْ عن ليل رحْلتنا الأخيرة بعْد
كان القلب يلفظ آخر الذّكرى،
وينفض ما علاه من عياء الدّرب،
ينفض ما تعلّق في ضلوعي من مباهج واحةٍ،
كانتْ ترفرف في فضاءات المفازات التي تلد العربْ
كان الفضاء يضيق ثمّ يضيق مخْتنقا
ويبتدئ العطبْ
والقلب يرسل في الظّلام بريق باصرتيْه مرْتعدا
ويسقط في اللّهبْ
لهْفان.. يعلم أنّ قافلة ستنهض بعد حينٍ
أنّ راحلة ستحمله إلى وجعٍ جديدٍ أوْ نصبْ
متهالكا.. يرد الطّريق إلى الوراء ملوّحا
لا النّيل ينهض للوداع ولا الحجاز ولا حلبْ
------------
لم نسْتفقْ
منْ دهشة العشق القديم، ولم يثبْ
قلبٌ توزّع بين أوهام المواعيد العطاش، ولم يتبْ
عن حبّ زاهرة العيون، ولم تؤبْ
من رحلة الوجع المدوّم في سماوات العتبْ
----------