صحيفة “لوس انجلوس تايمز”
مجموعة من الثوار السوريين في دوما ونقلت لقرائها الكثير من التفاصليل عن أربعة شبان سوريين، اكتفوا ببصيص من الضوء يدخل من نافذة صغيرة عالية في جدار الغرفة، جلسوا معا على مرتبة رقيقة، يحدقون في شاشات الكمبيوتر المحمول باهتمام، ويحددون أوقات نومهم وفق احتياجات ومتطلبات القنوات الإخبارية ليلا ونهارا.
في الغرفة لمبة وحيدة وسخان كهربائي صغير، وبعض كاميرات فيديو وصناديق كرتون فارغة لأجهزة المودم التي تشتبك بأسلاك طائشة في الزاوية.
في داخل الغرفة، تم وضع قضبان معدنية خلف الباب الأمامي لمزيد من الحماية. خارج الباب، يتركون أحذية لنساء وأطفال لجعل الناس يعتقدون أنه منزل لأسرة.
تلك هي حياة نشطاء الإعلام السوريين التي وصفتها الصحيفة الأمريكية، وقالت إنهم منذ شهور يخاطرون بحياتهم، ومن يشبهونهم من المواطنين الآخرين من مختلف المدن والبلدات في أنحاء سوريا، ممن كرسوا حياتهم لنقل أخبار الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد إلى شاشات التليفزيون والصحف في جميع أنحاء العالم.
خلال رحلة سرية في مدينة دوما المضطربة، قرب دمشق، لمس مراسل الصحيفة الأمريكية، كيف اختلفت حياة الشبان الأربعة، فبالنسبة لهم كان يجب قطع كل الصلات بالأصدقاء وأفراد الأسرة الذين اختاروا عدم الانضمام إلى الثورة خوفا من أن يكونوا قد تحولوا إلى جواسيس للنظام.
وقال عمر، في أوائل الثلاثينيات من عمره: “الآن أصبح النشطاء الذين أعمل معهم أفضل أصدقائي، لكنني لا أعرف حتى أسمائهم الحقيقية”. وعندما التحق علي، بنشطاء الإعلام في أبريل، ترك خلفه زوجته وطفله. وأوضح أنه أصبح يمثل خطرا كبيرا بالنسبة له ولأسرته إذا بقي في المنزل.
فقرر ورفاقه الثلاثة العيش في الخفاء في دوما، ويتحركون كل شهرين بين البيوت الآمنة التي هي مواقع سرية عن الجميع إلا عن بعض الموثوق بهم، ويعتمد الجميع أسماء حركية للحد من الانتقام ضد عائلاتهم، ويتحدثون في الهواتف باستخدام خطوط مسجلة بأسماء أشخاص قتلوا، ويسافرون دائما عبر الطرق الخلفية لتجنب الحواجز العسكرية.
وقال يحي، 17 عاما،: “من الصعب الاستمرار في إيجاد منازل جديدة.. يقول أحدنا للمالك إنه يرغب في استئجار منزل لزوجته وطفله، ومن ثم نأتي جميعا ونحاول الاختباء.”
خلال لحظات قصيرة من الراحة، يجلس الأصدقاء على السجادة التي تمثل مكان الجلوس والنوم معا، ويناولون وجبة من الدجاج والبطاطا المقلية جلبها لهم أحد الأصدقاء، ويغيظ الرجال الأربعة بعضهم بعضا حول من هو أكثر “المطلوبين” للنظام، ويتبادلون قصصا حول اللحظات التي يغامرون خلالها بالخروج إلى الشوارع، ويلقون بالنكات عن الموالين للنظام وتصريحات التليفزيون الحكومي.
“قبل بضعة أسابيع في ادلب، كان هناك احتجاج لآلاف من الناس الذين هتفوا الموت للأسد! شاهدنا الصور والفيديو وتحدثت إلى أصدقاء هناك. بينما قال التليفزيون الحكومي عن أن الناس خرجت “للاحتفال بسقوط المطر”.
ونقلت الصحيفة عن الشباب أن التواجد في الغرفة دائما ما يدعو للتشاؤم، بسبب المخاطر الهائلة من تعرضهم للاعتقال، فمجرد الحديث عن مثل هذه الأمور مع الأجانب “ضد القانون”، وقال علي بابتسامة حزينة: “أما بالنسبة للحديث عبر سكايب، فهذا أكبر جريمة”.
الخروج من الغرفة أمر نادر الحدوث، فقط في الخروجات الأساسية، في إطار الاستعداد للخروج يوم الجمعة، يتحدث الجميع على سكايب مع باقي النشطاء في جميع أنحاء المدينة.
ويتحدثون عن أفضل الطرق للوصول إلى مكان الاحتجاج، فيقول يحي لناشط آخر: “تجنب هذا الطريق، يقولون إن هناك جنود” ويقول عمر: “شاهد عيان يؤكد أن شارعنا آمنا”.
على خطى الثورات الدول الأخرى في دول ما يسمى العربي، تعلم عمر كيفية تشكيل جيوب صغيرة من الناشطين والتنسيق من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية والتواصل عبر سكايب. ويقول: “لقد نمت هذه الشبكات ونمت، حتى بدأنا نعيش حياتنا وندير ثورتنا عن طريق الإنترنت”. وبسبب ارتفاع المخاطر حيال أية اجتماعات حقيقية يحري الاعتماد بشكل متزايد على استبدال المؤتمرات بالإنترنت.
وقال يحي: “هذه هي حياتنا.. نحن نأكل وننام ونخرج لتسجيل الاحتجاجات. أي شيء آخر يتم عبر العالم الافتراضي.”