هل يجوز لأي جماعة دعوية أو حركة سياسية أن تلزم أتباعها بانتخاب رئيس معين؟
وهل يجب شرعا على المنتمي لجماعة أو حزب أو حركة أن يطيع تلك التوجيهات في انتخابات الرئاسة أو غيرها؟
المستشار: د. مسعود صبري عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:
فلا يجب شرعا على أي مواطن أن يلتزم قرار جماعته الدعوية، أو حزبه السياسي بانتخاب شخص معين، لا في انتخابات الرئاسة أو غيرها، بل الواجب على الإنسان أن يختار من يراه الأنسب والأوفق، ومن يرى فيه أنه قادر على تحقيق مصلحة البلاد ، ولو خالف رأيه رأي الجماعة أو الحزب الذي ينتمي إليه، وليس في هذه المخالفة إثم شرعي.
واستناد هذا الحكم على ما يلي:
أولا- أن الانتخاب نوع من الشهادة، وهذه الشهادة شهادة فردية، يحاسب عليها كل فرد وحده دون غيره، وهو مسؤول عليها وحده، وقد قال سبحانه: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) البقرة283.
وطبيعة الانتخاب أن يقوم كل فرد بعينه باختيار من يراه هو أهلا لمنصب الترشح، ولا يتم الانتخاب بصورة جماعية، ومن هنا فليس هناك اعتبار لذات الجماعة أو الحركة، بل الاعتبار للمصلحة.
ثانيا- أن الخطأ إذا حصل يجب أن يتحمله صاحبه، ولا تتحمله الجماعة أو الحركة، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }الزمر7، وقال سبحانه: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }الإسراء15.
ثالثا- أن إلزام الجماعة لأفرادها ترشيح شخص بعينه، هو نوع من الوصاية عليه فيما قد يراه هو بخلاف ذلك، مما يشبه الإكراه الأدبي، والأصل في الإكراه أنه ممنوع شرعا.
رابعا- أن الأصل في اختيار المرشح تقديم مصلحة البلاد بناء على القاعدة الفقهية: تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وقد يكون رأي الجماعة أو الحزب مبنيا على المصلحة الفئوية وهي من المصلحة الخاصة، بخلاف من يختار رئيسا للجمهورية أو أي منصب للترشح فيكون بناء على من يراه الأصلح لإدارة البلاد وليس لفئة بعينها.
على أن المقصود هنا ليس مجرد إثبات مخالفة رأي الفرد للجماعة التي ينتمي إليها، بل إذا اتفقت قناعة الفرد برأي الجماعة كان الالتزام برأيها أوجب، استصحابا للشورى، وإعمالا لرأي الجماعة دون رأي الفرد، وساعتها نستصحب الآيات والأحاديث في فضل الجماعة، كما قال سبحانه: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّاللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين). وقوله سبحانه وتعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [سورة الشورى: آية 38].
ولا يقال يجب على أتباع الجماعة أو الحزب السياسي الالتزام برأيهم من باب أن هذه شورى، واستنادا للآيتين السابقتين، لأن في واقعتنا هذه نحتاج إلى شورى الأمة والشعب لا شورى الجماعة وحدها، بما يحقق المصلحة.
كما أن بيعة أعضاء الجماعة على السمع والطاعة لا تتنافى مع مخالفتها في اختيار المرشح؛ لأن السمع والطاعة إنما يكون فيما فيه مصلحة الدين والدنيا، فإن اجتهد الإنسان ورأى أن رأي جماعته ليست فيه مصلحة الدعوة أو الدولة، كان له شرعا مخالفتها، ولا يكون مناقضا لبيعته، بل هو حقق مقصود البيعة حسب اجتهاده.
ولما كانت المصلحة في انتخابات الرئاسة تعود إلى مصلحة الدولة وليس إلى مصلحة الجماعة كان من الواجب الاسترشاد بأهل الحل والعقد، وهم علماء وخبراء الدولة بشكل عام وليس مسئولي الجماعة، وقد قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل:43. وأهل الذكر هنا هم أهل السياسية وخبراؤها ممن عرف عنهم العلم والأمانة دون أن يكون الانتساب إلى جهة معينة معيارا لتحديد الرأي، فيستمع إلى جملة الخبراء كلهم باختلاف انتماءاتهم.
والتأكيد على أحقية الفرد المنتمي إلى جهة معينة أن يختار المرشح الذي يراه أوفق وأنسب، لا يلزم منه اتهام أية جماعة لها اجتهاد سياسي، مادام مبنيا على تقدير المصلحة، على أن تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وليس من الإسلام اتهام الناس في دينهم أو نواياهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد – رضي الله عنهما- وقد قتل مشركا نطق بالشهادتين يحتمي بهما من القتل : (أشققت عن قلبه؟).
وقد وضع القرآن الكريم معيارين من أهم معايير الاختيار في إدارة الأعمال كلها، كما في قوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين).
والخلاصة:
أنه يجب على كل منتخب أن يختار من يراه أصلح وأوفق للرئاسة أو لأي منصب دون الالتزام برأي الجهة التي ينتمي إليها، بل بما يراه أوفق، وبما يعلم أنه مسئول عنه أمام الله تعالى.
ومن خالف جماعته أو حزبه، فليس بآثم عند الله تعالى، بل يجب عليه أن ينتخب من يراه هو الأوفق سواء أتفق مع جماعته وحزبه أم لا.
كما لا يجوز اتهام الحركات أو الجماعات بالنفاق أو السعي للمصالح الخاصة ونحوها، بل يجوز المخالفة بين الفرقاء مع الاحترام والتقدير.
والأوجب على الجميع اتفاق القلوب ولو اختلفت الآراء والأفكار، مع تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
والله أعلم.