ربما لم يؤرخ فعليًّا بأنه العام الذى توقف فيه المسلمون عن الضحك، وليس بالتأكيد العام الوحيد الذى مر على كثير من المسلمين بلا ضحك، ففى الصومال مرت أعوام كثيرة على رجالها ونسائها وأطفالها منذ أن اجتاحتهم المجاعة بلا فرح وبلا حياة، كما مرت أهوال المجاعة على غيرها من البلاد الإفريقية والعربية والإسلامية، ولكن رغم أن المسلمين فى عام «الرمادة» الذى جاء فى خلافة الفاروق عمر بن الخطاب آخر سنة 17هـ إلى أول سنة 18هـ لم يضحكوا كثيرًا، إلا أنهم وجدوا مَن يلقى إليهم أطواق النجاة حتى عاد الخصب والدعة إلى المدينة بعد تسعة أشهر، خسروا فيها كثيرًا من أرواحهم وأرواح دوابهم.
عام الرمادة سنة 17 هـ
وكان الجفاف الذى مرت به أرض الحجاز لسنوات طويلة مع تزايد عدد السكان جعل الناس يعانون من المجاعة، وقد رد الحافظ ابن كثير وغيره تسميته بعام «الرمادة» لأسباب اسوداد الأرض من قلة المطر حتى عاد لونها شبيهًا بالرماد، أو لأن الريح كانت تسفى ترابًا كالرماد، أو لأن ألوان الناس أضحت مثل الرماد، وقد يكون العام سُمِّى بهذا الاسم لتلك الأسباب مجتمعة.
وقال الحافظ ابن كثير «وقد روينا أن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة، فلم يجد أحدًا يضحك، ولا يتحدث الناس فى منازلهم على العادة، ولم يرَ سائلاً يسأل، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إن السؤَّال سألوا فلم يُعطَوا، فقطعوا السؤال، والناس فى همّ وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون».
لجأ الناس إلى أمير المؤمنين فأنفق فيهم من حواصل بيت المال مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفده.
ألزم عمر نفسه أن لا يأكل سمنًا ولا سمينًا حتى يكشف ما بالناس فاسودّ لونه وتغير جسمه حتى كاد يُخشى عليه من الضعف.. وذكر ابن كثير فى التاريخ «أنه فى عام الرمادة والجوع والفقر يحاصر المسلمين كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص فى مصر «وا غوثاه.. وا غوثاه.. وا غوثاه»، فقال عمرو بن العاص «والله لأرسلن له قافلة من الأرزاق أولها فى المدينة وآخرها عندى فى مصر».
بعد أن استنفد بيت المال ولم تنتهِ الأزمة كاتب عمر الأمصار طالبًا العون، فجاءه المدد من أبى عبيدة عامر بن الجراح ومن أبى موسى الأشعرى، فأرسل إليه عمرو بن العاص بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث فى البحر بعشرين سفينة تحمل الدهن، وبعث إليه بخمسةِ آلاف كِساء، وأرسل إلى سعد بن أبى وقاص، فأرسل إليه بثلاثةِ آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثةِ آلاف عباءة، وأرسل إلى والى الشام فبعث إليه بألفى بعير تحمل الزاد، ونحو ذلك مما حصل من مواساة المسلمين بعضهم بعضا.