سمرة العضو المميز
عدد المساهمات : 302 تاريخ التسجيل : 01/12/2011
| موضوع: محمد صل الله عليه وسلم ( الجزء الثانى الجمعة سبتمبر 14, 2012 9:00 pm | |
| محمد صل الله عليه وسلم ( الجزء الثانى ) ومرت الاعوام وانقضت فترة بقاء رسول الله بالبادية ، وعاد محمدا ليعيش مع امه التى كان حزنها على ابيه قد تجسد فى ملامح وجهها اثرا رائعا
لنبل الاحزان وشفافيتها ، ورأت امه ان تزور قبر ابيه بيثرب ، فقطعا المسافة التى تبلغ خمسمائة كيلو متر بين مكة ويثرب ، صحراء قاسية تخلو تماما من الحياة ، وبعد هذه الرحلة عاش محمد بن عبدالله عند اخواله فى المدينة شهرا ، ورأى البيت الذى مات فيه ابوه وزار القبر الذى دفن فيه ، واثناء رحلة العودة الى مكة ، وفى منطقة تسمى الابواء نزل ملك الموت ، وحين غادرها كانت امنه بنت وهب قد لحقت بالرفيق الاعلى . ماتت الام وتركت وحيدها مع خادم يتفتت قلبها على طفل يفقد اباه وهو جنين ويفقد امه وهو ابن ست سنين ، وعاد محمد بن عبد الله الى مكة محزونا صامتا ، فزاد جده عبدالمطلب فى حبه واعزازه ، وحين بلغ محمد بن عبدالله الثامنة ، مات اكبر حصن من حصونه البشرية ،مات جده عبدالمطلب ، وعاش رسول الله بين فى قلب صحراء مكة بين قوم من الغافلين والسكارى وعبدة الاصنام ، وتجار الخمور والشعراء والمحاربين وشيوخ القبائل ، وكان رسول الله فى طفولته صامتا معظم الوقت ، ولما كبر زاد صمته ، فكان لا يتكلم الا اذا دعاه احد للكلام ، وكان لا يشارك الفتيان لهوهم ، مدفوعا فى ذلك بحزن داخلى لا كبرياء. وكلما تقدم به السن زاد زهده فى الحياه ، وراحت سيرته تضئ فى انحاء مكة ، انه لا يشبه احد من الفتيان ، وبقى الصبى بمبعدة عن اثام قومه وانكفائهم على الاصنام وحب السيادة والتفاخر ، واقترب اكثر واكثر من جوهره النقى ، فراح يؤثر غيره على نفسه ، وامتدت رحمته الى الناس والحيوانات والطيور ، كان اذا جلس يأكل وحط الحمام على طعامه ترك طعامه للحمام ، وكان الناس يضربون الكلاب حين تقترب منهم وهم ياكلون وكان ينتزع هو اللقمة من فيه ليطعمها الكلاب والقطط والاطفال والفقراء ، وما اكثر الليالى التى باتها جائعا لانه اعطى طعامه لغيره ، وكان فقيرا لابد ان يعمل ليأكل ، واشتغل راعيا للغنم مثل داود وموسى وغيرهما من انبياء الله ، ثم سافر فى قافلة عمه ابو طالب الى الشام وعمره 13 سنه ، ونظر فى احوال الامم الاخرى فزادت دهشته لهذه الجاهلية ، وكلما شاهد الناس يتخبطون زاد حزنه ورق قلبه واشتد تفكيره عمقا ، وفى هذه الرحلة وقع للصبر حادث اغلب الظن انه زاده حيرة على حيرة..... كان الراهب " بحيرا "يقف فى نافذة الدير الذى يتعبد فيه فى سوريا حين استلفتت نظره سحابة بيضاء تعترض زرقة السماء الصافية وكان الجو صحوا ، فبدت هذه الغيمه مثيرة للدهشة ، وهبط نظر " بحيرا " الى الارض فوجد السحابة تحلق فوق قافلة صغيرة تتجه نحو الشمال ، ولاحظ " بحيرا " ان السحابة تتبع القافلة وحين اناخت القافلة لتستريح اسفل الدير ولجأت الى الظل ، تبخرت السحابة، دق قلب الراهب بعنف ، يعلم من اوراقه المسيحية ان نبيا سيخرج الى الدنيا بعد عيسى ، نبيا تذكر الاوراق القديمة صفته وتبشر به ، تحرك " بحيرا " من مكانه واسرع يأمر باعداد الطعام للقافلة ، ثم ارسل للقافلة يدعوهم الى تناول الطعام ، وجاء المكيون الى بحيرا فراح يطعمهم ويتأمل فيهم باحثا عن العلامات التى قرأها فى اوراقه للرسول المنتظر فلم يعثر على شئ ، فسألهم يامعشر قريش هل تخلف منكم احد عن دعوتى ؟ قالوا نعم ...تخلف منا واحد فقط تركناه لحداثة سنه، قال بحيرا لقد دعوتكم جميعا ...ادعوه فليحضر هذا الطعام ، فقام بعضهم فاحضره ، لم يكد بحيرا ينظر فى صفاء العينين ويغوص في حزنهما النبيل حتى ادرك انه يقترب من هدفه ، وبعد انتهاء القوم من الطعام ، جلس محمد بن عبدالله وحده فقام اليه بحيرا وقال ياغلام ...اسألك بحق اللات والعزى ان تخبرنى عما اسألك عنه...كان بحيرا يريد ان يعرف موقف الصبر من اوثان قومه واصنامهم ، فاجاب الصبى لا تسألنى باللات والعزى شيئا ، فوالله ما ابغضت شيئا قط بغضهما ، قال بحيرا اسالك اذا بالله ؟ قال الصبى سل ما بدا لك ....راح بحيرا يسأل الصبى عن اسرته ومكانته فى قومه واحلامه وارائه ، وجاءت الاجابات مؤكدة ليقين الراهب انه يجلس امام النبى الذى بشر به عيسى ، بعدها ترك الصبى ونهض الى ابى طالب ، سأله ما هذا الغلام منك ؟ قال ابو طالب انه ابنى ، قال بحيرا ما ينبغى ان يكون ابوه حيا ، قال ابو طالب انه ابن اخى مات ابوه وامه حبلى به ، قال بحيرا صدقت...ارجع به الى بلدك واحذر عليه يهود ، تساءل ابو طالب عن السر فيما يقوله الراهب ، فقال الراهب سيكون له شأن....ولم يفصح اكثر..ولم يحدد هذا الشأن ، ومر الحادث دون ان يعلق بذهن احد.... وعادت القافلة الى مكة وعاد محمد بن عبدالله الى انفراده بنفسه وتأمله فى احوال الكون وشقائه ليكسب لقمة عيشه وخدمته العفوية للناس ، ويوما بعد يوم كانت سنه تزيد وكان نقاؤه وصدقه يزيدان ، وادرك محمد ان لهذا الكون العظيم ربا هو خالقه ، ربا واحدا لا اله غيره ، وعبد قلبه رب العالمين قبل ان يبعثه رب العالمين الى الناس ، وعلى حين كان شباب مكة يتباهون بعدد كؤوس الخمر التى شربوها ، وعدد ابيات الشعر التى قالوها فى النساء ، كان محمد قد عثر على نفسه فى كهف هادئ فى جبل عظيم ، كانت اصفى اوقاته التى يقضيها فى هذا الكهف. | |
|