اختلفت مواقف المملكة العربية السعودية تجاه الثورات العربية ما بين مؤيد بقوة للنظام الحاكم إلى مؤيد بقوة للشعب الثائر، أو تحاول أن تمسك العصا من المنتصف، كما حدث مؤخرا في الخطاب المفاجئ الذي وجهه العاهل السعودي بشأن الاحتجاجات المندلعة في سوريا، والذي طالب فيه الرئيس السوري حافظ الأسد بعمل إصلاحات "قبل أن يأتي الطوفان".
وأثارت هذه المواقف المتباينة تجاه الثورات الشعبية في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا والبحرين، انتقادات كثيفة، سواء من محللين أو من نشطاء على موقع "فيس بوك" للسياسة السعودية التي تتحدث عن دعم ثورتي ليبيا وسوريا في حين تستضيف وتحمي الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، والرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، المتهمين بقتل مواطنيهما، وترسل قوات لحماية النظام البحريني من الاحتجاجات.
وفي هذا تناقل نشطاء على "فيس بوك" تعليقا من الصحفي بجريدة "الدستور" (الأصلي) حازم فؤاد قال فيه:
"المملكة السعودية تناقض نفسها, تدين إراقة الدماء السورية وتريق الدماء فى البحرين وتأوى رئيسا قاتلا".
ففي سوريا؛
حيث اتسمت العلاقة بين النظامين السعودي والسوري بالتوتر وعدم الاستقرار، صمتت السعودية طويلا أمام المجازر التي ترتكبها القوات السورية ضد الثوار، ولم يصدر منها تصريح واضح يدين هذه الاحتجاجات إلا هذا الأسبوع عندما خرج الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عن صمته بخطاب مفاجئ يطالب بوقف العنف ضد المدنيين، واستدعاء سفيره من دمشق للتشاور غير أنه لم يطالب فيه الرئيس السوري بشار الأسد صراحة بالرحيل، ونصحه بتقديم إصلاحات مرضية للشعب، وفي نفس الوقت حذره من الفوضى والطوفان إن لم يفعل.
ضربة لإيران
واعتبر رامي خوري، محلل لشئون الشرق الأوسط، أن خروج الملك عبد الله عن صمته فيما يتعلق بسوريا هو أنه بعض أن ضعف نظام الأسد يعني ضربة لإيران التي تدعمه، وأن مزايا ضرب مصالح إيران في سوريا تفوق سلبيات قيام نظام ديمقراطي جديد في سوريا.
وعلى العكس من الموقف إزاء سوريا كانت مواقف الحكومة السعودية داعمة للنظم الحاكمة في كل من اليمن ومصر وتونس؛ نظرا للعلاقات الودية التي ربطت بين نظم هذه الدول وبين المملكة.
ففي اليمن
كان واضحا المحاولات القوية من السعودية للإبقاء على الرئيس اليمني على عبد الله صالح، على الأقل حتى استكمال مدته الرئاسية التي تنتهي في 2012، غير أنها تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية في اليمن تراجعت إلى أن يبقى رئيسا شرفيا على أن ينقل صلاحياته كاملة إلى نائبه لحين عمل انتخابات رئاسية جديدة، وهو ما يرفضه الثوار اليمنيون الذين يريدون إسقاط صالح تماما من الحكم.
وتستضيف السعودية الرئيس اليمني بعد إصابات خطيرة لحقت به في محاولة اغتياله قبل أسابيع، ولم يخرج حتى الآن تصريح سعودي بوجوب رحيل صالح عن الحكم.
مصر وتونس
وفي ثورتي تونس ومصر كانت الحكومة السعودية تدعم الرئيس في البلدين حتى النهاية، ولم تقدم أي تصريحات داعمة للثوار، وبعد اضطرار الرئيسين، زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، إلى التخلي عن منصبيهما تحت وطأة تزايد المظاهرات المطالبة بالرحيل صرحت المملكة بتأييدها لمطالب الشعب في البلدين، غير أنها أبقت على دعمها للرئيسين المخلوعين.
ففي تونس استقبلت الرئيس المخلوع الهارب يوم 14-1-2011، وهو باق لديها حتى الآن، ورفضت كل المطالب الرسمية والشعبية التونسية لتسليمه ليمثل أمام المحاكمة التي انعقدت له بالفعل، وأصدرت المحكمة أحكاما بالفعل ضده بالحبس لمدد وصلت إلى 35 عاما بتهم خاصة بالفساد المالي وقتل المتظاهرين.
وفي مصر ظلت الحكومة السعودية تدعم مبارك، وتدعو الولايات المتحدة إلى توفير مخرج مشرف له، وبعد أن اضطر مبارك إلى التخلي عن منصبه يوم 11 فبراير الماضي، رددت وسائل إعلامية ودبلوماسية أن الرياض تضغط على الحكومة المصرية الجديدة لعدم تقديم مبارك إلى المحاكمة، وأن تهديدات ظهرت بإعادة العمالة المصرية من السعودية وسحب الاستثمارات السعودية من مصر.
ورغم نفي كلا من المجلس العسكري الأعلى الحاكم حاليا في مصر والسفارة السعودية في القاهرة وجود مثل هذه الضغوط إلا أن وزير المالية المصري السابق، سمير رضوان، صرح عقب زيارة له مع رئيس الوزراء عصام شرف إلى السعودية بأن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، دعاهم للتعامل الرحيم مع مبارك، وقال لهم: "ألا تتذكرون شيئا طيبا واحدا لهذا الرجل؟".
البحرين وليبيا
أما الموقف من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البحرين نهاية فبراير الماضي فكان الوقوف الصريح مع النظام البحرين قويا لدرجة أن المملكة أرسلت قوات عسكرية لمساعدة البحرين على قمع هذه الاحتجاجات، وهو ما عزاه محللون إلى توجس السعودية من دور لإيران في الاحتجاجات، ومن أن يصبح نجاح الاحتجاجات في البحرين سابقة في منطقة الخليج قد تنتقل سريعا إلى المملكة السعودية.
وعلى العكس من كل الأمثلة السابقة كان الموقف السريع بإدانة العقيد الليبي معمر القذافي الذي ساد التوتر الشديد العلاقة بينه وبين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في السنوات الماضية؛ وهو ما انعكس بوضوح على وجود مواقف سعودية رسمية واضحة بدعم الثوار الليبيين المطالبين برحيله، وصلت إلى درجة دعم التدخل العسكري لقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" لدعم الثوار في مواجهة القذافي.