تقول القاعدة المنطقية البسيطة، إن الإنسان إذا خبط رأسه فى الحائط تنكسر رأسه.. وإذا خبط مليون إنسان رؤوسهم فى الحائط ينكسر الحائط.
الدكتور محمد البرادعى ليس عالم فيزياء وإنما أستاذ فى القانون الدولى والعلوم السياسية.. وهذه القاعدة التى ذكرتها ليست من قواعد الفيزياء، وإنما من قواعد القانون السياسى.. وإذا كان البرادعى قد جاء إلى مصر من آخر الدنيا ليخبط رأسه فى حائط عنيد اسمه (الأمر الواقع) فإن رأس البرادعى لن تفعل شيئا لو لم يشترك كل من يرفض هذا الأمر الواقع فى النطح بنفس القوة ونفس الإيقاع.
المثير أن الرافضين للأمر الواقع فى مصر حاليا أكثر من سكان العشوائيات.. وأكثر من العاطلين على المقاهى.. وأكثر من العوانس.. وأكثر من الرافضين لصفقة الغاز مع إسرائيل.. وأكثر من الواقفين فى طوابير العيش والبوتاجاز اللاهثين خلف لقمة العيش الباحثين عن فرصة مستحيلة لحياة كريمة يعرفون أنها تتوارى بعيدا خلف جدران الأمر الواقع العالية.. ولكن لا أحد منهم يجرؤ على "النطح".. يكتفى الجميع باجترار الرفض بداخلهم أو الرضوخ لفورات الغضب العشوائى هنا وهناك والذى ينفجر فى وجه أى عابر سبيل.. السائق فى وجه الركاب.. الموظف فى وجه المواطن.. المدرس فى وجه التلميذ.. الأب والزوجة والأولاد فى وجوه بعضهم بعضا.. الكل ينفخ والكل يشكو والكل ينتقد والكل يحاول أن يتشعبط على جدار الأمر الواقع يبحث عن ثغرة هنا أو تفليته هناك أو طرق ملتوية أو قرشين رشوة لأحد حراس الجدار ليتمكن فى النهاية وبقدرة قادر من تحقيق المعجزة التى يمارسها المواطن المصرى كل يوم.. معجزة البقاء على قيد الحياة.
يرتدى المحللون السياسيون ثوب الوقار ويقولون: "إن ترشح البرادعى للرئاسة مستحيل.. وإن تغيير الدستور مستحيل.."والأفضل لهم أن يستخدموا مصطلح (معجزة) بدلا من كلمة (مستحيل) لكى يكونوا أقرب للدقة.. فالدستور وضعه بشر ويستطيع البشر أن يغيروه.. الدستور تم تفصيله على مقاس شخص واحد.. ويستطيع الناس أن يعيدوا تفصيله ليكون على مقاس الوطن.. الدستور هو جزء من جدار الأمر الواقع العنيد فى مصر.. والناس فى مصر لهم الخيار بين أن يقبلوا بالأمر الواقع كما هو ويحققوا فى كل يوم معجزة (معجزة البقاء على قيد الحياة).. وبين أن يشتركوا مع البرادعى فى نطح الجدار ويحققوا معجزة واحدة وحيدة يراها المحللون أمرا مستحيلا