فى كل العالم إعلام وصحافة يهتمان بقضايا كبيرة وهموم عامة، وأيضاً أشياء صغيرة، وهموم قد تبدو تافهة لدى البعض، فى كل العالم وبلاد الدنيا صحافة تكتب عن النجوم وفضائحهم وخلافاتهم وحكاياتهم وأشياء أخرى، ولكنهم تظل مختلفة عما يحدث فى مصر المحروسة. وأخيراً فى كل العالم وبلاد الدنيا هناك فاصل واضح ومعروف بين صحافة ومحطات التابلويد أو الفضائح والهبل، وبين صحافة وإعلام ومحطات أخرى لها قيمة محددة لما تكتب عنه وتنشره.
ولكن فى المحروسة كما يختلط ماء النهر العذب بماء البحر المالح، وكما يختلط القبح فى شوارعنا وبيوتنا وملابسنا وأخلاقنا ببعض الجمال، يختلط إعلامنا صحافة وتليفزيونا بنفس المعايير وبصورة غير مسبوقة.
خلطة صنعناها تدفع المتابع لأى شىء فى حياتنا، إما إلى اللخبطة، أو فى النهاية، إلى الكفر بكل المعايير.
فعلى مدى أسابيع طالعتنا الصحافة بأخبار بدأت فى صفحة الحوادث بتقديم هيفاء وهبى بلاغا ضد من تقول عنه إنه مدير أعمالها، بأنه باع أغانيها لمغنية أخرى مصنفة فى نفس فئة هيفاء التى تغنى ولا تطرب وهى المغنية رولا سعد.
خبر بالتأكيد يستحق أن تنقله الصحافة، فاسم هيفاء جاذب للأنظار، وقد يستدعى نقل هذا الخبر أن تحدث له متابعة ما.
ولكن أن تتفرغ صحافة قومية وخاصة بصفحات مطولة عن خناقة على أغنية «إيه ده إيه ده» بين هيفاء ورولا فهذا عين العبث.
فحين تكون الجنازة حارة والميت «إيه ده إيه ده» لا تقل لى إن على المشيعين أن يكونوا بالمئات من الأخبار والصفحات والحوارات فى صحف رصينة وأخرى من فئة «إيه ده إيه ده»!!
هذا التناول الإعلامى لخبر هيفاء يدل على أن المالح والحلو قد اختلط فى إعلامنا وصار عشوائياً.. فلا صحافة رصينة ولا أخرى راقصة، صرنا نستطيع التفريق بينهما.
ورغم أننى من كتيبة العاملين فى هذه المهنة، فإننى فى الأصل من قبل أن أمتهنها حتى وأنا بينهم، فأنا قارئة للصحافة ومشاهدة للإعلام المرئى أتأثر به وأتعاطاه..
وقد يتهمنى أحد بأننى توقفت شخصياً عند أغنية «إيه ده إيه ده» وهيفاء، ولكننى ما توقفت أمام هذا الأمر إلا كعينة عشوائية من اختلاط الأمور فى حياتنا.. ولتكن أغنية هيفاء المسروقة وخبرها الذى يتصدر صفحات الفن مجرد مثل لحالة خلط مزرية لها كثير من الأمثلة، كفتاة تغطى شعرها بحجاب وتعرى مؤخرتها ببنطلون بوسط ساقط، أو محطة تليفزيونية قومية بفلوس الناس تتبارى فى التفاهة، مثل قنوات بفلوس فرادى ربما حصلوا على ثرواتهم من غسيل الأموال.. مناطق راقية سعر المتر فيها بآلاف مؤلفة، ورغم هذا تحيطها عشش وبيوت من صفيح.
منحتنا الطبيعة التقاء البحر بالنهر على شواطئ منطقة رأس البر، فعز على المصريين الآن أن يكتفوا من الخلط فى الطبيعة، فأضافوا إليها خليطاً خاصاً ربما يتصوره البعض مماثلاً للطبيعة، ولكنه فى حقيقة الأمر تشويه للحياة، حتى إذا نظر إلينا غريب لن يجد إلا عبارة واحدة يقولها وهى «إيه ده.. إيه ده..»؟!