صخب النهار وضجيج الحياة يهدأ كله فى جوف الليل، ومهما تنوعت أشكال الحياة
فى النهار ففى النهاية تهدأ جذوتها مع ستائر الليل، و فى عُرف بعض الناس هو
وقت للنوم.. لكنه فى عرف آخرين وقت للتفكير والتأمل الطويل، وعادة يهاجمنا
التأمل ليلاً عندما يسمح له الهدوء باحتلال مساحات وافرة من سهول أفكارنا.
والتأمل نوعان؛ إما أن يكون مؤلم يصول ويجول فى أكوام الذكريات، وإما إنه
تأمل طموح يلقى لنا بأحلام الغد على مأدبة الأفكار، وعلينا فى كل الأوقات
ألا نغرق فى الأحلام وأن نراعى حاضرنا فلا يتوه بين الماضى والآتى، فنستعين
بخبرات الماضى لتكون قاعدة انطلاق منطقية وثابتة نحو المستقبل، ولا يمكن
أن نفعل ذلك إلا بعقيدة سليمة فى مفهوم الحب الشامل والعطاء الحنون، فأكثر
منعطفات التاريخ تأثيراً على الثقافة الإنسانية جاءت من قصائد حب متكاملة،
وأبدع ما عشناه جاء من أحلام بعض القلوب لزعماء وساسة قادوا عقولهم لما فيه
سعادة ونماء الجنس البشرى، وعلى حساب الأطماع والرغبات الزائفة فى السيادة
والتسيد.
إننا لم نر يوماً طائر البطريق فى خط الاستواء ولم يجرؤ أسد يوماً على
الهجرة للقطب الشمالى، والمخلوق الوحيد الذى يمكن أن تراه فى كل بقاع الأرض
وخباياها مهما كانت قاسية المعيشة هو الإنسان، ولا يخفى علينا أن من وراء
هذا حكمة باقية ببقاء الكون تقول أنه قد آل إلينا حق تطوير كل الأرض
ورعايتها على الوجه الذى يرضى عنا خالقها وخالقنا سبحانه وتعالى، فالإنسان
هو حامل الأمانة ومندوب تطبيق الحكمة الإلهية فى الأرض كلها، ولكى نكون
جديرين بهذا الشرف يجب أن نملأ حياتنا بصنوف من الحب الشامل للحياة لا
ينتهى ولا يغيب، فهل سنفعل أم سنتجاهل حقيقة الحب ونقصر فى شرف حمل
الأمانة؟
سؤال يجب أن يسأله كل فرد لنفسه.. ولكن فقط فى هـُدنة الليل.