قالها لى وهو يضغط بأسانه على حروفه:
أنا أحقد على مصر.
لماذا؟
لأنها لا تعرف قدرها.. ما الذى يحدث بينها وبين الجزائر؟ وما الذى فعله الأهلى فى مباراة شبيبة القبائل؟ وما هذا الصراع الذى لا قيمة له بين الأهلى والفرق الأفريقية؟
واصل بنفس حنقه.. فريق مثل الأهلى يجب أن يلعب فى أوروبا ويغادر أفريقا نهائياً والطبيعى للمنتخب المصرى أن يلعب فى كأس العالم كل أربع سنوات ولا أقل من أن يصل إلى دور الثمانية.. ثم قل لى هل توقفت مصر عند أبو تريكة؟ أنا أجزم بأن هناك آلافاً فى مصر يتجاوزونه، لكنهم لم يحصلوا على فرص تضعهم فى الأماكن المناسبة.
كان الرجل يتكلم بصدق ودون سابق معرفة، فالرجل دبلوماسى عربى سابق التقيته فى مطار تونس العاصمة وقبلها كان قد اكتشف أنه لن ينجح فى السفر إلى بلده لأنه وصل متأخراً مثلى وكان علينا أن ننتظر لليوم التالى.
2
الاستقبال على المستوى الرسمى لبعثة النادى الأهلى فى مطار هوارى بومدين كان غاية فى الترحيب.. فتاة جزائرية أهدت أبو تريكة باقة ورد وأعلنت لوسائل الإعلام أنها جاءت حباً فيه وأنها تشجع فريق الأهلى وتتمنى أن ينتصر والاحتفاء تكرر ببعثة النادى الأهلى فى تيزى وزو موطن الفريق المنافس والتى تبعد ساعة ونصف بالسيارة عن العاصمة وأطفال المدينة اصطفوا على جانبى مدخل الفندق مقر إقامة بعثة الأهلى وأخبرونا أنهم جاءوا حباً فى أبو تريكة.
كان كل شىء معداً بعناية، الأمن يتواجد بكثافة وعسكر الدرك الجزائرى تحيط بالفندق من كل اتجاه ورجال السفارة المصرية مقيمين مع بعثة الأهلى فى الفندق نفسه والصحفيون الجزائرون يحاولون أن يصلوا إلى لاعبى الأهلى للحصول على تصريحات لصحفهم دون جدوى.
استقرت البعثة فى غرفها وأحكمت إدارة الأهلى حصارها على اللاعبين خوفاً عليهم فباتوا يقضون وقتهم داخل غرفهم أو فى قاعة الطعام عند السحور والإفطار ولم يكن يغادرون الفندق إلا فى وقت التدريب تحت حراسة مشددة وفى طريق جانبى لا يخترق بهم المدينة شريطة أن يشدوا ستائر الأتوبيس على آخرها مع إظلامه بالكامل.
ورغم ذلك حدث الاعتداء على أتوبيس اللاعبين، فخرج حسن حمدى وخالد مرتجى معلنين أن الحادث فردى ولن يؤثر على الحفاوة التى استقبلها بهم مسئولو نادى شبيبة القبائل.
3
فى اتصال تليفونى مع سليم بوعجاجة الكاتب الجزائرى وصديق الدراسة فى معهد البحوث العربية التابع لجامعة الدول العربية أخبرنى بوفاة الأديب الجزائرى الطاهر وطار تابعت الصحف الجزائرية فوجدت الخبر يتوسط معظمها، أغرانى هذا بأن أبحث عن أعماله الكاملة فى مكتبات المدينة رحب يوسف الإعلامى الجزائرى بالقيام بجولة للبحث عن كتبه، نجحنا فى التسلل خارج الفندق هرباً من ملاصقة الأمن لنا فى كل خطوة، وعند إشارتنا لسيارة قادمة لتنقلنا بعيداً عن حيز الفندق، توقفت السيارة وما أن ركبنا حتى اكتشفنا أنها تابعة للأمن المخصص لتوفير الحماية لنا همس يوسف فى أذن أحدهم عند وصولنا ميدان المدينة الرئيسى فسمحوا لنا بأن نغادرهم وانصرفوا فى اتجاه مضاد.
معظم المكتبات التى دخلناها تعرض كتباً بالفرنسية والقليل منها يعرض كتبا بالعربية ليس بينها كتب الطاهر وطار وأثناء سيرنا فى شوارع المدينة تركنى يوسف وعاد بفتاة قال إنها سميرة وهى أبدت استعدادها للتجول معنا للوصول إلى كتب الطاهر وطار. ط
تتحدث سميرة باللغة الأمازيجية وتجيد الفرنسية وتقسو على نفسها عندما تستجمع من ذاكرتها كلمات عربية للتواصل معى.
كانت سميرة فتاة بيضاء ووجها جميل، تلم شعرها الطويل كاشفاً عن مساحة بيضاء من صدرها المختبئ تحت بلوزة ضيقة فوق جونلة ليست طويلة.
كلما دخلنا مكتبة، نبحث أنا ويوسف عن روايات الطاهر وطار، فيما سميرة تقف دائماً أمام كتب تتكلم عن كيفية صناعة الحلوى.
عرفت من يوسف أنها تسكن فى قرى القبائل خارج المدينة وأنها تقوم كل يوم بالتجول فى المدينة بحثاً عن فرصة عمل وأنها كانت سعيدة بنا عندما أخبرها يوسف أنه سيوفر لها فرصة عمل خلال أيام قليلة.
أثناء سيرنا فى بعض شوارع المدينة، كانت سميرة تطلب منى ألا أتحدث، لأنهم سيعرفون أننى مصرى وفى هذا خطر علىَّ، ولما كنت أنسى، تذكرنى بالضغط على أصابعى فأتوقف عن الكلام المباح.
جاءت تلك الجولة يوم إقامة المبارة ولا أعرف من أين جاءت هذه الباصات الممتلئة على آخرها بشباب صاخب، عرفت من يوسف أنهم أنصار فريق شبيبة القبائل.
قالت لى سميرة.. الموقف أصبح خطراً عليك، وعليك أن تعود، ثم طلبت رقم تليفونى لكى تطمئن على وصولى آمناً إلى مقر بعثة فريق الأهلى.
4
احتشد أنصار شبيبة القبائل منذ الواحدة ظهراً، وجاء موعد المباراة العاشرة مساء بتوقيت الجزائر تحددت المقصورة للإعلاميين المصريين، ما بين بوابة دخول الاستاد والوصول إلى المقصورة احتمل الإعلاميون وابلاً من الهياج والسباب، وكلما اقتربوا من الجماهير ناحية المقصورة زادت قدرتهم على الرقص الاضطرارى تفادياً لعبوات من الماء صوبت باتجاهم فى موجات متتالية جلست وسط جماهير شبيبة القبائل فى المقصورة، اكتشفت أنهم ليسوا هؤلاء رماة الماء فى وجوهنا منذ قليل، كانوا بسطاء ومحبين وبداخلهم رغبة فى التواصل معى والوفد الإعلامى، تذكرت جمال شقيق مدرب الشبيبة الذى تصادف وجوده معنا عند الإفطار فى أحد مطاعم مدينة تيزى وزو والذى ما أن رآنا حتى بادر بترديد خطاب الكراهية منذ بداية الأزمة وحتى الآن ولكن ما أن أعلنت له عن تقديرى للجزائر وشعبها حتى تحول إلى إنسان آخر وأصر على استضافتنا وأن يكون إفطار الغد فى منزله.
لم تتوقف اتصالات جمال عند عودتنا إلى الفندق عن الاطمئنان علينا والتأكيد على موعد الإفطار فى الغد بحضور أسرته بالكامل.
اتصلت بجمال فسألنى مبادراً أين أنت؟ أخبرته بأننى فى المقصورة، فقال لى: أنا فى الملعب، لحظات وأكون عندك.
جاء جمال ومعه أصدقاؤه، كل واحد منهم يصلح لملأ استاد بأكمله بالصياح والتشجيع، قال لهم مشيراً باتجاهى.. صديقى المصرى، صافحونى واحداً تلو الآخر ثم جلسوا أمامى، التفت جمال باتجاهى كأنه تذكر أمراً مهماً وقال وسط صياح أصدقائه: سنفوز 1/2 وإن شاء الله أبو تريكه يحرز هدف الأهلى.
انتهت المباراة بعد قليل من هدف الأهلى غير المحتسب والذى اتضج أنه كان تسللاً، أحاطنا عساكر الأمن الجزائرى، خرج اللاعبون والإعلاميون فى أنبوب ضيق تشكل من أجساد عساكر الأمن لنبقى أكثر من ساعتين فى حراستهم فى مكان معزول فوق حجرة ملابس اللاعبين ولما اطمأن الأمن أن الخروج أصبح آمناً سمح لنا بالمغادرة فى ظل حراسة كثيفة ثم انطلق أتوبيس اللاعبين وممثلى إدارة الأهلى وكان وراءه أتوبيس الإعلاميين.
فى الطريق إلى مقر البعثة كان بين عسكرى الحراسة والآخرعسكرى ثالث، وفجأة توقف أتوبيس اللاعبين فى منطقة تحيطها الأحراش.
لقد تعرض للاعتداء بطوبة كسرت زجاجه الأمامى، يطلب حسن حمدى بهدوئه المعتاد وبغيظ مكتوم من الإعلاميين بأن يصورا ما حدث ولحظتها اتصلت سميرة.
بصوت يقلد اللهجة المصرية بصعوبة قالت لى: أنا مبسوطة قوى فزنا عليكم لكن كنت عايزة اطمئن عليك.
التفت إلى عساكر الأمن المحيطة بنا من كل اتجاه وطائرات الهليكوبتر التى تحوم فوقنا ثم أجبت: نحن بخير.. مازالت هناك مباراة فى القاهرة.
5
امتلأ استاد القاهرة على آخره، فأشفقت على الفريق الجزائرى من هزيمة ثقيلة تنتظره، تقدم الأهلى وتعادل الشبيبة وُطرد لاعب منهم وانتهت المباراة بالتعادل.. وسط إحساس بالخجل رن هاتفى برقم مجهول.. أنا سميرة.. أنا مبسوطة قوى.. المهم أنت بخير.
أمواج الأندلس 
الرئيسية 
أحدث الصور 
التسجيل 
دخول 
افضل موقع لتعلم الجرافيك 
أضغط وادخل وابحث 
موضوع: مشاهدات مصرى لمباراة الشبيبة والعلاقات بين مصر والجزائر 
الجمعة سبتمبر 03, 2010 10:25 pm
