الإسلاموفوبيا.. حان وقت المواجهة
تحقيق - أمانى ماجد:
9 سنوات مرت على أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وظل الحال على ما هو
عليه.. خوف من الإسلام والمسلمين.. وصم للدين الحنيف بالإرهاب..
عنصرية تصل لحد القتل.. إهانة بلغت مداها بحرق المصحف الشريف.. تحد
لرغبة آلاف المسلمين فى بناء مركز إسلامى بالقرب من موقع برجى التجارة
العالمية الجراوند زيرو.
حتي الانترنت لم يخل من ألعاب إلكترونية جارحة لمشاعرنا..
9 سنوات مرت فانقسم العالم إلي فريقين: فريق يشير بأصابع الاتهام إلي
العرب والمسلمين ويصمهم بالارهاب بين الحين والآخر, وفريق آخر.. هو
نحن.. نحاول أن ندافع.. أن نتواصل.. لكننا فشلنا, ربما لأننا نجهل مفاتيح
خريطة الوصول لعقل الغرب.. الذي لم ينس ضحايا سبتمبر ولا جرائم العنف
التي تصدر من المتطرفين بين الحين والآخر, ولا التصرفات الغوغائية لبعض
المسلمين, سواء في أمريكا أو أوروبا, ولم تسفر بيانات المنظمات الإسلامية
التي تدين العنف عن أي جديد.
9سنوات مرت والشكوك مازالت مثارة حول مرتكبي حادث الحادي عشر من
سبتمبر, رغم شهادات البراءة التي خطها الأمريكيون أنفسهم, ربما كان من
أهمها كتاب الحادي عشر من سبتمبر والإمبراطورية الأمريكية الذي يضم
شهادات28 عالما ومفكرا أمريكيا تنفي ضلوع المسلمين في هذه الحادثة, رغم
هذا فإن الاتهام كان من نصيب المسلمين فقط, والإرهاب كان الوصف
الملاصق لهم.
ولم تعد البيانات تجدي ولا فتاوي تحريم التطرف تسمن ولا تغني من جوع..
لذلك فإن صفحة فكر ديني تبحث اليوم عن بناء جسور تهدمت ورسم
استراتيجية بعيدة المدي لتغيير الصورة السيئة عن الإسلام والمسلمين, يخرج
منها التباكي علي الظلم والاضطهاد الواقع علينا, فالواقع يقول إننا قصرنا,
نتخبط.. فقط نبكي علي أطلال الحضارة الإسلامية.
.. إذن فلنبدأ, فقد حان وقت مواجهة ظاهرة الخوف من المسلمين أو الإسلاموفوبيا.
حين نتحدث اليوم عن الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام, لابد أن يكون
للتاريخ دور.. فجذور الخوف من الإسلام لا يؤرخ لها بأحداث الحادي عشر
من سبتمبر فحسب, رغم تأثير تلك الأحداث وتغييرها لواقع المسلمين في
الغرب عموما وأمريكا خصوصا, لكن يؤرخ لها منذ عام632 م تقريبا بهذه
الكلمات بدأ الدكتور محمود عزب رئيس لجنة حوار الأديان بالازهر كلامه,
واضاف إن هذا التاريخ هو عام وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم, حيث
تنامت سيطرة الإسلام العسكرية في البدء, ثم الثقافية والدينية تناميا هائلا,
ويشير الدكتور عزب إلي آراء الدكتور إدوارد سعيد في هذا السياق, ويقول إن
فارس وسوريا ومصر سقطت أولا ثم تركيا وشمال افريقيا في الجيوش
الإسلامية, وفي القرنين الثامن والتاسع فتحت أسبانيا وصقلية وأجزاء من
فرنسا, وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر كان حكم الإسلام قد توغل شرقا حتي الهند والصين واندونيسيا.
ورأي الغرب في ذاك الوقت أن الإسلام يمثل حالة مأسوية دائمة, وحتي نهاية
القرن السابع عشر كانت أوروبا تشعر بأن الخطر العثماني متربص بها,
وكانت النتيجة الحتمية وخلاصة الشعور العام في أوروبا تجاه الإسلام هو
الخوف منه, سواء كان لهذا الخوف ما يبرره أم لا, وبدرجات متفاوتة.
لكن الإسلام أيضا في هذه المرحلة ـ كما يقول عزب ـ لم يكن مجرد فتوحات
عسكرية ولا حروب, وإنما كان ينشر مع استقراره الأمني حركة حوار مع
ثقافات البلاد المفتوحة وأديانها, ثم حركة علم وفكر حضاري, قام بدوره لعدة
قرون, حيث كانت لغته العربية لغة العلم الأولي, إن لم تكن الوحيدة علي ظهر
البسيطة منذ ظهور بغداد وقرطبة ثم القاهرة وغيرها من عواصم بلاد الإسلام
ولم يكن بوسع أوروبا وقتها أن تقدم استجابة سوي الخوف والشعور بالرهبة
وظل الأمر كذلك.. ثم توقفت حركة العقل الإسلامي عن الإبداع, وهيمن
الغرب في القرن التاسع عشر, وبدأ لهاث الشرق خلف الغرب, لتبدأ حالة من
الانتقاد التي مازالت مستمرة حتي الآن بين روحانية الشرق ومادية الغرب,
لتظل الكراهية دفينة.
أما الحلول أو الطريق لعلاج الاسلاموفوبيا فيبدأ من:
فهم الواقع الأمريكي
ولأن تلك الأحداث مثلت نقطة تحول هائلة في حياة المسلمين, لتنمو جذور
الاسلاموفوبيا بعد أن وجدت التربة الخصبة المناسبة لها, ظل المسلمون
يؤذنون في مالطة دون جدوي, والسبب بسيط هو أن المسلمين لا يعرفون
طرق وشعاب مالطة أو أمريكا ليستطيعوا التأثير فيها!
لهذا يري الدكتور باسم خفاجي رئيس وحدة الأبحاث والدراسات بالمركز
العربي للدراسات الإنسانية أن تجاوز الأزمة الحالية يستلزم العديد من
الدراسات التي تهدف إلي التعريف بالواقع الداخلي لهذا الغرب, ومحاولة فهمه
فهما صحيحا قبل تحديد آليات ووسائل التعامل معه فكريا وحضاريا ودعويا
أيضا, مشيرا إلي أن دراسة وفهم واقع الغرب ليس ترفا فكريا, وإنما ضرورة
ملحة تزداد الحاجة إليها يوما بعد يوم.
ويشير الدكتور خفاجي إلي أن أهمية معرفة واقع الشعوب من الداخل ومن النواحي الاجتماعية والاقتصادية لا ينفي إدراك الدور الذي تقوم به النخب
السياسية الحاكمة, ففي حالة الولايات المتحدة الأمريكية نجد الإدارات المختلفة
سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية في مجال السياسة الداخلية تخضع لتأثير
جماعات الضغط وجماعات المصالح, وتصدر تشريعات لمصلحة الأقلية من
كبار رجال الأعمال الذين يمثلون الشركات العملاقة, مما من شأنه أن يضر
ضررا بالغا بمصالح الجماهير العريضة. لذلك فإن فهم الواقع الامريكي أولي
خطوات القضاء علي الخوف من الإسلام, فمن الضروري معرفة القوي
المؤثرة في صناعة القرار السياسي المتعلق بأمتنا العربية والإسلامية وأفكارها
ومداها الثقافي, وتأثيرها علي مجتمعنا وهويتنا, وبدون هذا الفهم الدقيق للواقع
الغربي لن نجيد التعامل معه ولن نحسن فهم أسباب تقدمه أو تراجعه.
هجر السلبية ونبذ العزلة
ولخبرته العملية والدبلوماسية لسنوات طوال قبل أزمة الحادي عشر من
سبتمبر وبعدها, فإن السفير نبيل فهمي سفير مصر السابق في واشنطن, من
الخبراء أو ذوي الشأن الذين يمكنهم توصيف الحالة الإسلامية ـ الأمريكية قبل
وبعد الأحداث, فيشير إلي أن الأمريكان قبل هذه الأحداث لم يكونوا يعرفون
شيئا عن الإسلام, فربما يعرف هذا الأمريكي أن جاره مسلم, أو ربما يزامل
هذا الطبيب مسلما, أو قد يعرف أحد العمال أن عاملا ما مسلما يعمل في قسم
مجاور له.. فلم يكن الإسلام بالنسبة لأمريكا محل اهتمام أو اعتراض, وكانت
الأمور تسير بهدوء شديد, وكان المسلمون يعيشون بحرية تامة, ويتمتعون
بكافة الحقوق في بلد يعترف بحقوق كل المواطنين من مختلفي الأديان.
لكن ماذا بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟
يقول السفير فهمي: اختلف الحال وتبدل الوضع.. فكان الأمريكان لا يعلمون
شيئا عن الإسلام, لكن أصبحوا ـ أو لنقل معظمهم ـ يعلمون أن الإسلام يرتبط
بهذه الحادثة الإرهابية, رغم أن منفذيها عدة أفراد إلا أن وصمة الإرهاب عمت
المسلمين, والتصقت بالدين نفسه, وأضرت هذه الحادثة بالمسلمين في أمريكا
والمجتمعات الغربية أكبر ضرر, وباتت السهام الظالمة المسممة بدعاوي
الإرهاب توجه بلا رحمة إلي المسلمين, وتبدو مظاهر هذه السهام من تأشيرة
دخول البلاد الغربية إلي كل ما يتصل بالمعاملات الحياتية.
ويضيف إن السفراء العرب والمسلمين عانوا معاناة شديدة وقت هذه الأزمة,
وبذلوا جهودا ضخمة محاولين تحسين صورة الإسلام والمسلمين, إلا أن هذه
الجهود أثرت في النخبة فقط, أما عامة الشعب, فلم تؤثر فيهم.
ويري أن التأثير فيهم لابد أن يكون داخليا, من المسلمين المقيمين في أمريكا,
لأن الولايات المتحدة, كما يقول السفير فهمي, بها عيب وميزة في آن واحد,
فهي قارة, لا تتأثر خارجيا, ولكنها تتأثر داخليا, فلا أحد منهم يستطيع نسيان
هذه الأحداث, أو تغير فكره بسهولة, أو عن طريق عقد حوار للأديان, أو
حوارات النخبة, فضلا عن أن اليمين المتطرف استغل هذه الحادثة ليصم كل
المسلمين بالإرهاب.
والحل يكمن في الارتكاز علي مسلمي الولايات المتحدة فقط للخروج من
شرنقة الإرهاب, فعليهم التخلي عن السلبية والابتعاد عن الدفاع عن النفس,
وممارسة حقوقهم المدنية كغيرهم, مشيرا إلي أن هذه الاحداث جعلت المسلمين
يخشون المطالبة بحقوقهم, كغيرهم من أتباع الديانات الأخري حينما يتعرضون
لأي أزمات, وقال لابد من الخروج من دائرة الدفاع عن الإسلام.
وعلي مسلمي أمريكا أيضا التفاعل في الأحداث الاجتماعية والثقافية, والتفاعل
مع الكنيسة والمعبد اليهودي والبعد عن الانعزال, ليشعر المجتمع الأمريكي أن
المجتمع الإسلامي يماثل مختلف المجتمعات التي يظللها علم الولايات المتحدة.
وعلي المنظمات الإسلامية الأمريكية مهمة الترويج للنماذج المسلمة الناجحة
في الولايات المتحدة والاهتمام باعمال الآلة الإعلامية, التي يجيدها الغرب ولا
نحسن نحن استخدامها, أما المؤسسات الرسمية الحكومية, فهي التي تحمي
حقوق مواطنيها من مختلف الديانات, وان كانت الضبابية قد سادت عمل هذه
المؤسسات فيما يخص المسلمين, إلا أن الأمر بدأ في التحسن تدريجيا.
الأزهر يضع خطة
إذا تطرقنا إلي أي قضية تخص المسلمين سواء مشكلاته الداخلية أو الخارجية
مع الغرب, فلابد أن نولي وجهنا شطر الأزهر الشريف, فهو ملاذ المسلمين
وعونهم إذا ما ألمت بهم أي أزمة... لذلك طرقنا باب الأزهر, نسأل عن رؤية
شيخه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لمعالجة سوء الفهم والخلط الحادث
بين مفهوم الإرهاب والإسلام, وفوجئنا بأن الأزهر أعد استراتيجية طويلة
الأمد تستهدف محو الصورة السلبية عن الإسلام.
السفير محمد رفاعة الطهطاوي بمرجعيته الدبلوماسية وخلفيته الفكرية وجذوره
الحضارية وباعتباره متحدثا رسميا باسم الأزهر قال إن سوء الفهم الحادث بين
المسلمين والغرب عموما, وما وصل إليه الحال الآن ناتج عن الجهل بالإسلام
وتعاليمه الراقية, لذلك فإن معالجة ما خلفته تلك الأحداث من آثار سلبية أدت
إلي عمليات إثارة متعمدة للمسلمين, يجب أن يتم بخطط طويلة المدي تعتمد
علي التعريف الصحيح بالإسلام ومحو الجهل به.
من هذه الخطط ما أعده الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من
استراتيجية متكاملة طويلة المدي, أهم ملامحها كما يقول السفير طهطاوي:
1 ــ فتح أبواب مكتبة الأزهر لأول مرة للدراسين من غير المسلمين من
مختلف أنحاء العالم للاستفادة من المراجع الإسلامية الصحيحة وخبرات
الأساتذة الأزهريين.
2 ــ إعداد دعاة أزهريين متميزين يخاطبون الغرب بلغته, وتخرجت أول دفعة
فعلا من هؤلاء الدعاة الذين درسوا اللغة الانجليزية بمركز اللغة البريطاني
بجامعة الأزهر علي يد مدرسين أجانب, ليكتسبوا اللغة من أهلها ويطلعوا علي
ثقافتهم.
3 ــ ترجمة الكتب الاسلامية والتراثية التي تثبت جميعها مدي احترام الإسلام
للآخر.
4 ــ إنشاء مركز الأزهر للحوار, والمقصود هنا ليس حوار الأديان, ولكن
الحوار بعيدا عن المعتقدات الدينية التي لن تتغير, أي حوار علي القواسم
المشتركة والقيم الأخلاقية.
5 ــ استفادة الأزهر من خبرات الباحثين بموقع إسلام أون لاين نت بعد أن
تمت تصفيته في مصر, ووضع تصور للتعاون مع هذه الخبرات لإعداد نافذة
أزهرية الكترونية تخاطب الغرب بوعي وفهم واستثمار هذه الخبرات
وتنشيطها فكريا ومعنويا وماديا.
ــ ولم يغفل الأزهر وضع الأئمة في أوروبا, فأعد برنامجا مع جامعة كمبريدج
لإعادة تثقيف أئمة أوروبا, ليقضي الإمام3 أشهر في ربوع الأزهر ينهل من وسطيته.
الأفعال تنافس الأقوال
الشعب الأمريكي لايؤمن إلا بالأفعال فقط, أما الكلمات التي يدافع بها المسلمون
عن أنفسهم فهي غير مجدية, هذه الحقيقة أكدها دكتور رامي نشاشيبي المدير
التنفيذي لشبكة العمل الإسلامي داخل المدن( إيمان) العاملة بأمريكا, وقال إن
الدور الذي يقع علي المسلمين في العالم بشكل عام وفي الولايات المتحدة بشكل
خاص لتحسين صورتهم ولإثبات أنهم ليسوا مرادفا للإرهاب بل يحاولون
تحسين حالة المجتمع من حولهم أيا كانت الأعراق والديانات الموجودة به.. هذا
الدور هو دور صعب بالطبع.
ويقول نشاشيبي ــ وهو أمريكي من أصل فلسطيني ويعمل في مجال الخدمة
الاجتماعية في المجتمع الأمريكي منذ15 عاما في شيكاغو ــ إننا كمجتمع مسلم
في الولايات المتحدة وفي العالم لن تشتتنا الانتقادات ضد الإسلام والمسلمين
ولن نركز علي كيفية تحسين المجتمع إلا من خلال ما نقوم به علي أرض
الواقع, مشيرا إلي أن ما يقومون به من عمل يساعد المجتمع من حولهم
بأصوله وأديانه المختلفة, وقال إن هذه الأعمال تساوي حملات إعلانية بملايين الدولارات.
وأوضح نشاشيبي أن العلاقة المباشرة بين المسلمين وغيرهم تجعل الصورة
عن المسلمين مختلفة, مشيرا إلي أن معظم الأمريكيين يعتمدون في معلوماتهم
علي التليفزيون والأخبار الصحفية التي قد تشمل عمليات انتحارية من قبل
المسلمين في أفغانستان والعراق وفلسطين, مما يثير المخاوف من المسلمين,
لكن الأعمال التطوعية التي يقومون بها كمنظمات مجتمع مدني تجعل الصورة
مختلفة تماما, ويضيف: من خبرتي في الخدمة المجتمعية لايوجد شخص غير
مسلم يخرج من عيادتنا ــ ضمن أنشطة جمعية الإيمان ــ بعد الحصول علي
الرعاية أو التدريب والمساعدة, ثم يشاهد إعلانا في التليفزيون يربط بين
المسلمين والإرهاب ويصدقه, بل يقول هذا ليس ما رأيته.
وبعد مرور أكثر من عام علي انتخاب الرئيس باراك أوباما هل تغيرت أوضاع
المسلمين؟ سؤال أجاب عنه كثير من الخبراء خارج المجتمع الأمريكي, لكن
ماذا عمن بداخلها؟ الدكتور نشاشيبي يقول إن الاختلاف بالنسبة للمسلمين بين
أوباما وبين الإدارة السابقة عليه مثل اختلاف الليل والنهار خاصة علي مستوي
السياسات الداخلية, ومستوي الانخراط ولغة الخطاب, حيث كانت أولي كلمات
أوباما بعد انتخابه أن وصف المجتمع الإسلامي بأنه مجتمع مسيحيين ومسلمين
ويهود وهندوس ورأي أنه سر قوة الأمة الأمريكية