قبل اندلاع الثورة الشعبية المطالبة بالحرية والديمقراطية ضد العقيد معمر القذافي كانت بلدة يفرن التي تقع في منطقة الجبال الغربية على بعد حوالي 100 كلم جنوب غرب طرابلس موطنا جذابا لنحو 25 ألف شخص، لكن بعد تدميرها على يد كتائب القذافي، ورغم استعادة الثوار لها إثر معارك طاحنة، لم تعد إلا موطنا للأشباح.
فالبلدة التى يعتبر معظم سكانها من الأمازيغ الذين انضموا إلى الثوار بعد جلاء كتائب القذافي، أصبحت اليوم بلدة أشباح ومسرح لتدمير فظيع، وشاهد على وحشية قوات القذافي الذين احتلوها لمدة 46 يوما، وانغمسوا في عربدة من التدمير الغاشم قبل أن يطردهم منها الثوار في النهاية، وفق ما نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية الإثنين 13-6-2011.
وأضافت الصحيفة إن أعدادا لا حصر لها من المنازل تم سلبها ونهبها، ونُخرت جدرانها بطلقات المدافع الرشاشة، أو هدمت بالقذائف، وتحولت عشرات المحال إلى مزابل، أو نُهبت أو أضرمت فيها النار، وأُحرقت كل السيارات أو سُحقت كي لا يستطيع الثوار استخدامها.
وهدمت الشوارع بواسطة الدبابات وخُربت بواسطة الصواريخ، وتناثرت فيها أغلفة القذائف وطلقات الرصاص وحطام السيارات والملابس العسكرية المتجاهلة والزجاج المتكسر والأشجار الساقطة ومكبات القمامة المقلوبة وآثار الدبابات، حتى الحمير قتلت وتركت لتتعفن تحت شمس الصيف الحارقة.
ولم تسلم المدرسة الثانوية الوحيدة من القصف؛ حتى أصبح إصلاحها عسيرا وأشعلت النار في أحد المساجد بواسطة قنبلة يدوية وسقطت أعمدة الإنارة والكهرباء، وترك الجنود مكتب البريد والمباني الأخرى التي استخدموها كثكنات لهم في حالة مزرية؛ حيث كانت الغرف مليئة بالمراتب القذرة والطعام المتعفن وزجاجات البول والقمامة، وطُليت الجدران بصور القذافي.
واستطاع الثوار الإثنين السيطرة على كامل بلدة "يفرن" التي كانت تمتد علي تل كانت القوات الموالية للقذافي تسيطر على سفحه لأكثر من شهر محاصرة جزء البلدة الأخر الذي تسيطر عليه المعارضة، ومانعة وصول الإمدادات الطبية والمواد الغذائية ومياه الشرب إليها.
ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن أحد مصوريها الذي دخل البلدة من ناحيتها الشمالية تأكيده أن لا وجود لقوات القذافي في البلدة.
دمار كامل
وقال شهود عيان إن ما حدث كان ضد البشرية، ومن اليوم الأول دمر الجنود كل شيء، وكل مكان وطئته أقدامهم.
وأشارت الصحيفة إلى أن سكان يفرن والبلدات الغربية الجبلية الذين قمعوا بوحشية كانوا من بين أول الذين انضموا للثورة التي بدأت في فبراير، لكن في 18 أبريل اقتحم البلدة ثلاثمائة جندي مدججين بالسلاح لسحق التمرد فيها.
وضربوا، واعتقلوا كثيرا من رجالها وسرقوا الماشية، وقطعوا الكهرباء والماء والهاتف ومنعوا وصول الطعام أو الوقود للبلدة. وسرعان ما سيطروا على الجزء الشمالي الشرقي ليفرن التي قصفوها بالصواريخ والقذائف ونيران المدافع الثقيلة.
وبعد أسبوع على احتلال البلدة، كما يروي أحد الشهود، أجبر الجنود الأطباء والممرضات في المستشفى الوحيدة المفتوحة على الخروج في مظاهرة تأييد للقذافي لصالح التلفاز الرسمي.
وبمرور الأسابيع انقلبت الأوضاع لصالح الثوار، وأصبح الصياد هو الطريدة، وأخيرا في يوم 2 يونيو قرر الثوار إنهاء الحصار على البلدة إلى الأبد؛ فهاجموا القوات الحكومية من أربع جهات، وبعد معركة دامت 11 ساعة فر المحتلون. وعادت يفرن لأهلها الذين لم يأتوها بعد.
معبر وازن
وميدانيا قال شهود إن كتائب القوات الليبية أطلقت عددا من صواريخ جراد من مواقع يسيطر عليها الزعيم الليبي معمر القذافي عبر الحدود مع تونس الثلاثاء 14-6-2011 دون أن تقع أي أضرار.
وقال محمد النقاز أحد السكان وهو تاجر لوكالة لرويترز "سقطت خمسة صواريخ على الأقل على الأراضي التونسية في المرابح. كان قصفا شرسا على المنطقة الجبلية من جانب القذافي".
وتسيطر المعارضة الليبية منذ فترة على معبر وازن الحدودي مع تونس؛ مما خفف وطأة المعاناة الإنسانية على منطقة الجبل الغربي، وتسعى كتائب القذافي لاستعادة هذا المعبر.
وكانت تونس حذرت في 17 مايو الماضي من أنها قد تتقدم بشكوى ضد ليبيا لدى مجلس الأمن الدولي إذا واصلت ارتكاب "أعمال عدائية" ضدها.
وقالت إن القصف ينتهك سيادة أراضيها، ويعرض مواطنيها للخطر.
وقال شاهد أخر اسمه مراد لرويترز :"القصف العنيف بدأ منذ الليلة الماضية، ولم يتوقف هذا الصباح."
وقال رجل شرطة على الحدود إن هناك خشية من أن تسقط القذائف على طريق وازن إلى تونس الذي يعبره آلاف اللاجئين الليبيين الفارين إلى تونس؛ مما قد يتسبب في مجزرة حقيقية.