"الحذاء"
يقول البعض
أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية كان أول استفتاء يعبر فيه المصريون عن رأيهم الحقيقي،
وهم في ذلك مخطئون فأول استفتاء عبر فيه المصريون عن أنفسهم تعبيرا حقيقيا كان في ما أسميه "استفتاء الحذاء" ليل العاشر من فبراير ردا على خطاب المخلوع الذي اشتهر باسم خطاب التفويض حيث أعلن فيه تفويض عمر سليمان، وقتها رد المصريون ردا جماعيا عبقريا بأن رفع كل منهم حذاءه.
تلك اللحظة هي ذروة التوهج الثوري، هي اللحظة التي أيقن فيها المصريون جميعا أنهم هم الذين يصنعون القرار،
هي اللحظة التي تبادل فيها الشعب والسلطة الأدوار،
هي تلك اللحظة التي وجد "الشعب" فيها نفسه وعرف قدره
فاقتحم المجهول موقنا،
والمعتادون على التأمل يستطيعون بسهولة أن يدركوا قدر اليقين في وجوه الناس في الميدان يوم الجمعة الحادي عشر من فبراير.
ثم انفضّ المولد وانقضت حلقة الذكر..
الشعراء صهرتهم الدهشة فصقلت معادنهم،
والعلماء .. لا يندهشون فهم يعلمون (أو يظنون أنهم يعلمون).. يتحدثون الآن عن الدستور والانتخابات والوثائق فوق الدستورية وشكل الدولة ومرجعية الدولة، وكيف أن الدستور هو الأساس الذي لابد أن تُبنى عليه الدولة، ومن ثم لابد من ضمانات كافية حتى......، و......، و...... إلى آخر هذا الهراء..
هم نسوا أن المصريين حين خرجوا للشارع خرجوا يبحثون عن الوطن لا عن الدولة، فالدولة ليست هي الوطن،
والذين يحاولون اختزال الوطن في الدولة
كالذين يحاولون أن يعبؤوا البحر في إناء ثم ينظرون للإناء ويقولون هذا هو البحر.
يا سادة
ردوا آنيتكم فنحن لم تخرجنا إلى الشوارع مفاضلة بين إناء وآخر،
لم يخرجنا إلى الشارع طموح إلى أي من أشكال الدولة التي تقترحونها
وإنما خرجنا نغتسل في البحر،
خرجنا من أجل الوطن،
وإن كان ولابد من الدولة فهي دولة مصرية بمرجعية شعبية،
يختارها المصريون ويشاركون في صناعتها وإرساء قواعدها.
فالدولة التي نريد ليست "غسالة فول أوتوماتيك" لا يلزمها إلا الكتالوج/الدستور حتى تبدأ في القيام عملها، الدولة منتج إنساني يفرض شكله الطرف الأقوى في المعادلة السياسية، وها قد اختلت موازين القوى وصرنا نحن الشعب الأقوى فالآن والأن فقط حق لنا أن نفرض دولتنا دولة مصرية جديدة تضيف إلى العالم كما قمنا بثورة مصرية جديدة أضافت إلى العالم.
دولتنا لن تكون دولة تنتصف للفقراء ولا تنحاز للأغنياء، لن تكون دولة أقليات ولا أغلبيات، لن تكون دولة ذكورية ولا نسوية .. ستكون دولة الإنسان الحر المصري الذي قد يتصادف أن يكون غنيا أو فقيرا، مسلما أو قبطيا، رجلا أو امرأة، شابا أو شيخا فنحن لسنا في معركة ولا نتعارك على أنصبة، نحن لا ننتمي لدولة، إنما ننتمى لوطن.