كل سعي ينتهي لا يُعوّل عليه
كل تضحية تنتظر مقابل ليست تضحية ولا يعول عليها
الثورة بلا حب لا يعول عليها
الثورة بلا دين لا يعول عليها
كل ثورة تبدأ ليست ثورة ولا يعول عليها
كل ثورة تنتهي ليست ثورة ولا يعول عليها
كل ثورة تظن أن مهمتها تغيير نظام الحكم ليست ثورة ولا يعول عليها
كل ثورة تظن أن مهمتها مطاردة السلطة ليست ثورة بل طيش ولا يعول عليها
كل إنسان يغيب عنه أنه في الأصل شاعر – حتى وإن لم يستطع كتابة الشعر – ليس إنسانا ولا يعول عليه
الجماهيرية لا يعول عليها
الثورة: منذ وجد الإنسان نفسه روحا مرغمة أن تستجيب لحدود جسد من طين، ثار وأبى أن يتحول وجوده المؤقت في الدنيا إلى "عيش" بل سعى إلى أن يبحث عن "الحياة".
إن البحث في تاريخ الثورات يرشدك إلى أن معظمها كان بهدف تحسين العيش بينما الثورة المصرية كانت بحثا عن الحياة، ويكفي أن أذكر رد أحد البسطاء الذين كانوا يبيتون في الميدان علينا حين سألناه عن سبب وجوده في الميدان قال: "أنا راجل أرزقي وباشتغل باليومية وكده كده مش لاقي آكل ومش هاسيب لولادي حاجة أنا عندي استعداد أموت هنا علشان ولادي يعيشوا بحرية وكرامة".. ولم يذكر أنه يريد لأولاده صورة معيشة خيرا من التي عاشها هو، بل كان كلامه عن الإنسان كما خلقه الله وكما أراده، هذا الرجل والملايين مثله هم من جعلوا من ميدان التحرير أكبر وأطهر حضرة ذكر في التاريخ.
الشعراء: ليسوا بالضرورة من يحترفون نظم الكلام، بل هم الثوار الأزليون الذين تحلق أرواحهم في أجسادهم وتدفعها لأعلى فتخفّ أوزانهم وتلامس أقدامهم الأرض هونا فلا يتعدى وقعها على الأرض "أثر الفراشة الذي لايُرى ولا يزول".. الشعراء هم شهداء محتملون، هم غرباء الدنيا، متكبرون حتى على أنفسهم، ساخرون حتى من أنفسهم، ساخطون حتى على أنفسهم، رافضون حتى لأنفسهم، هم الذين لديهم القدرة على الاندهاش، هم الذين لم تغطي معلوماتهم فطرتهم أو الذين طوّروا معلوماتهم إلى معرفة فحكمة.
العلماء: هم الذين خبت جذوة الثورة بداخلهم، هم الذين أجهدت أجسادُهم أرواحَهم فقنعت بأسر الأجساد ويئست من التحليق.. ثقلت أوزانهم، يحدثون جلبة أينما يمشون، تترك أقدامهم آثارا غائرة في الأرض لكن لا تلبث أن تطمسها الريح.
الإنسان: أصله شاعر ولكنه أحيانا يختار أن يرتدي لباس العلماء بعض الوقت.
الشهداء: هم الذين توهّجوا، هم الذين أتمت الثورة اشتعالها بداخلهم حتى سلّمت أجسادهم فانفلتت أرواحهم منها، إنهم يحلّقون تحليقا محضا. هم الذين فارقوا غربتهم إلى ما يألفون وعادوا إلى حيث ينتمون، إلى السماء. هم الذين أنجز الله لهم سعيهم فأراهم اليقين وأرشدهم إلى "الحياة".
حقيقة الثورة
الأرقام (وليس هذا النص سياقها ولكن البعض لا يعلم سواها) تقول أن حوالي 20 مليونا من المصريين خرجوا إلى الشوارع في الثورة المصرية، ولا أرى أن مبارك – الطاغية الذي يُخجل الطواغيت انتسابه إليهم – يستحق أن يخرج 20 مليونا منا ليطالبوا بتنحّيه، إن من يظن ذلك لا يُعلى من قدر مبارك فقط وإنما يوجه إهانة مباشرة للشعب المصري.
فلو كان ما أخرج المصريين غضب وثأر شخصي لغرّهم عددهم وتحولوا من الثورة إلى السعار الذي كان من الممكن أن يدفعهم للتخريب، ولكن السلمية المفرطة مع هذا العدد المدهش يدحض هذا الزعم.
إذن ماذا أخرج المصريين؟
بالعودة إلى التعريفات آنفة الذكر، نجد أن المصريين خرجوا في تلك الثورة يبحثون عن الله فوجدوا أنفسهم، وكان في ذلك الوجدان الكفاية فلم يكن هناك داع بعد ذلك لأن يعتدي فقير على غني، أو أن يتحرّش شاب بفتاة، أو أن يسأل أحدنا الآخر عن اسمه بالكامل يبحث في اسمه أو أسماء آبائه عن ما يثبت دينه، فكلنا كنا تائهون وكلنا عرفنا أنفسنا ومن عرف نفسه فقد عرف الله وليس بعد معرفة الله شيء.