س: ما حكم صيام يوم عرفة؟ وما فضل هذا الصوم؟
ج : يوم عرفة أفضل أيام العام، وهو من الأيام العشرة من ذي الحجة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صيام يوم عرفة، احتسب على الله تعالى أن يكفر ذنوب سنتين".
فهذا يوم فضله عظيم، وفضل الصيام فيه عظيم أيضا.
ومعلوم أن يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة.
فعلى المسلم أن ينوي صيام هذا اليوم على الأقل، إذا لم يستطع صيام الثمانية أيام قبله، فلكل منا ذنوبه، ولكل منا سيئاته وغفلاته وهفواته، وهذه فرص متاحة للتطهر، ليبيض الإنسان صفحته أمام الله عز وجل.
فليسارع المسلم إلى صيام يوم عرفة.
وهذا لغير الحاج.. فالحاج لا يسن له صيام يوم عرفة ليكون قويا على الدعاء والذكر والتضرع.
ج1 : التكبير في عيد الأضحى نوعان:
هناك تكبير مطلق، وتكبير مقيد.
التكبير المطلق يجوز من أول ذي الحجة إلى أيام العيد.. له أن يكبر في الطرقات وفي الأسواق، وفي منى، ويلقى بعضهم بعضا فيكبر الله.
وأما التكبير المقيد فهو ما كان عقب الصلوات الفرائض، وخاصة إذا أديت في جماعة، كما يشترط أكثر الفقهاء.
وكذلك في مصلى العيد.. في الطريق إليه، وفي الجلوس فيه، على الإنسان أن يكبر، ولا يجلس صامتا.. سواء في عيد الفطر، أو عيد الأضحى. لأن هذا اليوم ينبغي أن يظهر فيه شعائر الإسلام..
ومن أبرز هذه الشعائر التكبير.. وقد قيل "زينوا أعيادكم بالتكبير".
ولهذا ينبغي على المسلمين أن يظهروا هذه الشعيرة يوم العيد، فإذا توجهوا إلى المصلى، أو جلسوا فيه ينتظرون الصلاة، فعليهم أن يرفعوا أصواتهم مكبرين بقولهم "الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد" وهذه الصيغة واردة عن ابن مسعود وأخذ بها الإمام أحمد. وهناك صيغة وردت عن سلمان "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا".
أما الصلوات وما يتبعها من أذكار فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم كقولهم: "اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد… الخ".
والصلاة على النبي مشروعة في كل وقت، ولكن تقييدها بهذه الصيغة وفي هذا الوقت بالذات لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا عن أحد من صحابته الأبرار.
وكذلك ما يقولونه بهذه المناسبة "لا إله الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده…" لم يرد أيضا مقيدا بيوم العيد. وإنما التكبير المأثور الوارد هو ما كان بالصيغة السابقة الذكر "الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد".
فعلى المسلم أن يحرص على هذا التكبير، وأن يملأ به جنبات المصلى، وأن يكبر الله في أيام عشر ذي الحجة كلها.
وأما التكبير المقيد بأعقاب الصلوات فيبدأ عقب الصلاة فجر يوم عرفة.. ويستمر إلى ثلاث وعشرين صلاة، يعني إلى رابع أيام العيد، حيث ينتهي التكبير عقب صلاة العصر من ذلك اليوم
إلى الأعلىج2 : تكبير العيد -عيد الأضحى بالذات- يبدأ منذ فجر عرفة، ويوم عرفة -كما نعلم- هو يوم التاسع من ذي الحجة، والتكبير نوعان:
تكبير مطلق، وتكبير مقيد..
والتكبير المقيد هو الذي يكون عقب الصلوات، وخاصة صلوات الجماعة، والتكبير المطلق يكون في المجامع والأسواق والشوارع. هذا الكبير من شعائر أيام العيد -عيد الأضحى وقد كان الصحابة وهم في منى يكبرون، إذا خرجوا إلى السوق أو لاقوا الناس، كبر ابن عمر وكبر الناس حوله، حتى يرتج المكان بالتكبير.
وكذلك التكبير في مصلى العيد، إذا خرج الناس إلى صلاة العيد في المصلى، وهذه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يثبت أنه صلى العيد في المسجد، وأن مسجده من أفضل المساجد التي تشد إليها الرحال، ومع هذا كان يخرج ليصلي في الصعيد في العراء، في مصلى معين، ويخرج الناس وراءه، حيث يصلي الناس كلهم، إظهارا للشعيرة ولقوة الإسلام والمسلمين، لم يثبت أن النبي صلى العيد في المسجد، إلا ما روي أنه صلى في المسجد في يوم ماطر.. من أجل المطر، وهذا عذر.. فالمسلم، وهو ذاهب إلى المصلى، أو وهو جالس ينتظر فيه، يكبر، وهذا ما ينبغي أن يفعله الناس اليوم، بخلاف ما نراه منهم، حيث يجلسون ساكنين ساكتين، ويذهبون إلى المصلى، صامتين، فأين إظهار شعائر الإسلام؟.
والتكبير يبدأ من أول فجر يوم عرفة -كما ذكرت- وينتهي في عصر آخر أيام التشريق، أي يوم الثالث عشر، فيكبر المرء يوم عرفة، وأول أيام العيد، وثانيها، وثالثها، ورابعها.. إلى انتهاء صلاة العصر.. فيكبر عقب ثلاثة وعشرين صلاة مفروضة.
وصيغة التكبير، لم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء معلوم، وإنما ورد عن الصحابة، فقد صح عن سلمان الفارسي، أنه قال: كبروا الله، قولوا: الله أكبر الله أكبر كبيرا. وورد عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم جميعا قال مثل هذه الصيغة: الله أكبر. الله أكبر لا أله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد. فبأي هذه الصيغ كبر المسلم، فقد أدى السنة وأقام الشعيرة
صيام عاشوراء هل يكفر الكبائر؟
س: هل صحيح أن صوم عاشوراء يكفر سنة؟ وهل تدخل الكبائر في ذلك؟
ج : ورد في صيام عاشوراء أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم وغيره عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين: ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية".
وقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يكون بنو آدم خطائين، واقتضت رحمته أن يتيح لهم مكفرات شتى تغطي الخطيئة وتمحو أثرها، من صلوات وصدقات، وحج وعمرة وغيرها من الحسنات: (إن الحسنات يذهبن السيئات) وقال رسوله الكريم: "واتبع السيئة الحسنة تمحها".
والصيام من أعظم المكفرات للذنوب لما فيه من ترك الشهوات، ومجاهدة النفس وتضييق مجاري الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وليس من حق العبد أن يستكثر على ربه تكفير ذنوب سنة أو سنتين بصوم يوم واحد، فإنه تعالى واسع الفضل والجود، واسع المغفرة والرحمة، "قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء".
والحديث الذي معنا أطلق التكفير، ولم يقيده بالصغائر، ولكن جماعة من العلماء قيدوه بها، وقد يؤيدهم في ذلك حديث أبي هريرة في صحيح مسلم "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
فإذا كانت هذه الحسنات العظيمة يشترط للتكفير بها اجتناب الكبائر، فأولى أن يكون هذا الشرط ملحوظا في صيام عاشوراء.
قال النووي: "فإن لم يكن صغائر كفر الكبائر، فإن لم تكن كبائر كان زيادة في رفع الدرجات".
الاكتحال والتوسعة على العيال في عاشوراء
س: هل ورد في يوم عاشوراء شيء يستحب عمله غير الصيام من تزين واكتحال، وتوسعة على العيال؟
ج : لم يصح عن رسول الله في يوم عاشوراء شيء غير الصوم، أما التوسعة على العيال، ففيها حديث تكلموا فيه كثيرا "من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها" رواه الطبراني والبيهقي، وقال: أسانيده كلها ضعيفة، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وحسنه العراقي، ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بعلامة الصحيح، والسيوطي قد يتساهل في مثل هذه الأحاديث.
وأما الاكتحال فقد روى الحاكم فيه حديثا مرفوعا عن ابن عباس "من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبدا" وقال الحاكم: إنه منكر، وقال السخاوي: بل هو موضوع وأورده ابن الجوزي في الموضوعات.
قال الحاكم: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبي فيه أثر، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه.
ولا بد من معرفة الظروف التاريخية التي ولدت فيها هذه المرويات، فهي تلقي ضوءا كاشفا على هذه الأقاويل وقيمتها، فقد شاء القدر أن يقتل الحسين رضي الله عنه في اليوم العاشر من المحرم، فجعل منه كثير من شيعته يوم حزن مستمر، بل جعلوا الشهر كله مأتما وحدادا، وحرموا على أنفسهم كل مظاهر الفرح والزينة والاستمتاع بالحياة وكان رد الفعل عند المتطرفين من خصوم الشيعة على هذا الغلو أن جعلوا الفرح والتزين في هذا اليوم عبادة وقربة إلى الله، وعززوا ذلك بآثار وأحاديث وضعوها، وكان أجدر بالفريقين أن يقفوا عند حدود الله، ويتخلصوا من التعصب المصم المعمى، الذي فرقهم شيعا وأحزابا، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصلكم به لعلكم تتقون).
الزواج في شهر محرم
س: يعتقد بعض الناس أن الزواج في شهر المحرم شؤم أو حرام فهل لهذا الاعتقاد أساس من الدين؟
ج : هذا الاعتقاد لا أساس له من الدين، والذي في دين الإسلام أن شهر المحرم من الأِشهر الأربعة الحرم التي عظمها الله، وحرم فيها القتال، وجعل الإثم والعدوان فيها أشد نكرا منها في غيرها، وسماه النبي شهر الله تشريفا له، وقال للرجل الذي سأله عن صيام التطوع "إن كنت صائما بعد رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله، فيه يوم تاب الله على قوم، ويتوب فيه على قوم آخرين" وشهر هذا شأنه ينبغي أن يستبشر الناس به، ولا يحجموا عن الزواج فيه وأن يتخلصوا من هذه الأوهام التي خلفها في مصر الغلو الفاطمي الذي جعل من المحرم شهر حزن ونواح، وتجنبوا فيه كل دواعي الفرح والسرور، ومنها الزواج.
إن الشهور والأيام كلها -في نظر الإسلام- ترحب بالزواج لأنه شعيرة من شعائر الدين وسنة من سنن رسوله الكريم ومن تزوج فقد أحرز شطر دينه وطوبى لمن أحرز شطر الدين
موافقة اليهود في صيام عاشوراء
س: جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فصام وأمر بصيامه، فكيف يتفق هذا مع أمره بمخالفة أهل الكتاب في أمور كثيرة؟
ج : الحديث الذي يشير إليه السائل حديث متفق عليه عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى اليهود تصوم عاشوراء. فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم صالح، نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال: "أنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه.
ولا عجب أن يسأل المسلم: كيف وافق النبي اليهود في صيام عاشوراء مع حرصه على مخالفة الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، وأمره بذلك في أحاديث شتى "خالفوا اليهود والنصارى.. خالفوا المشركين.. الخ".
ولكن المتتبع للأحاديث المروية في صيام عاشوراء، يرى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم هذا اليوم قبل الهجرة، بل كانت العرب في الجاهلية تصومه وتعظمه، وتكسو فيه الكعبة، وقيل: إنهم تلقوا ذلك من الشرع السالف، وروى عن عكرمة أن قريشا أذنبت ذنبا في الجاهلية، فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء يكفر ذلك عنكم".
وإذا، فالنبي عليه السلام لم يبتدئ صومه في المدينة، ولم يصمه إقتداء باليهود، وإنما قال ما قال: "نحن أحق بموسى منكم" وأمر بما أمر، تقريرا لتعظيمه وتأكيدا وتعليما لليهود أن دين الله واحد في جميع الأزمان، وأن الأنبياء أخوة وضع كل منهم لبنة في بناء الحق، وأن المسلمين أولى بكل نبي ممن يدعون أتباعه. وقد حرفوا كتابه، وبدلوا دينه فإذا كان يوم عاشوراء يوم هلاك لفرعون وانتصار لموسى فهو كذلك انتصار للحق الذي بعث الله به محمدا، وإذا صامه موسى شكرا لله فالمسلمون أحق أن يقتدوا به من اليهود.
هذا إلى أن عاشوراء يوم ميمون تحقق فيه أكثر من انتصار للحق على الباطل، وللإيمان على الكفر، فقد أخرج أحمد عن ابن عباس أن السفينة على الجودى فيه، فصامه نوح شكرا لله تعالى.
على أن موافقة النبي لليهود في أصل الصيام كانت في أوائل العهد المدني إذ كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه استمالة لهم، وتألفا لقلوبهم، فلما استقرت الجماعة الإسلامية، وتبينت عداوة أهل الكتاب للإسلام ونبيه وأهله أمر بمخالفتهم في تفاصيل الصوم مع الإبقاء على أصله احتفالا بالمعنى العظيم الذي ذكرناه، فقال عليه السلام "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوما وبعده يوما" رواه أحمد.
وقد دخل الصحابة أنفسهم -في أواخر العهد المدني- ما داخل السائل من موافقة أهل الكتاب مع حرصه عليه الصلاة والسلام على تميز أمته عن مخالفيهم في العقيدة ويتجلى هذا فيما رواه مسلم عن ابن عباس قال: لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والراجح، الذي يفهم من هذا الجواب ومن الآثار الأخرى أنه عليه السلام لن يقتصر على اليوم العاشر بل يضيف إليه التاسع مخالفة لليهود والنصارى.
قال ابن القيم: فمراتب صومه ثلاث: أكملها أن يصام قبله يوم، وبعده يوم ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم.
أحكام الأضحية
ج1 : الأضحية سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضحى عليه الصلاة والسلام عن نفسه بكبشين أملحين أقرنين، عنه وعن آل بيته، قال: اللهم هذا عن محمد وآله وضحى عمن لم يضح من أمته صلى الله عليه وسلم. ويقول الإمام أبو حنيفة: إن الأضحية واجب، والواجب عنده فوق السنة ودون الفرض، فيرى أنها واجب على ذوي اليسار، والسعة، الحديث "من كان عنده سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا" فأخذ من هذا أنها واجبة. فإن لم يثبت وجوبها فهي سنة مؤكدة وفيها فضل عظيم.
ووقتها يبدأ من بعد صلاة العيد، أسبق صلاة عيد في البلد، بعدها تشرع الأضحية، وقبل ذلك لا تكون أضحية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من ذبح قبل صلاة العيد أن يعتبر شاته شاة لحم، ليست شاة نسك، وليست شاة عبادة قربة.. حتى لو تصدق بها كلها، فإنه يكتب له ثواب الصدقة ولا يكتب له ثواب الضحية، لأن التضحية عبادة، والعبادات إذا حد الشارع لها حدا، ووقت لها ميقاتا، لا ينبغي أن نتجاوزه أو نتقدم عليه، كالصلاة، هل يجوز أن تصلي الظهر قبل وقتها؟ لا يجوز.. كذلك الأضحية لها وقت معين. هناك بعض الناس في بعض البلاد يذبحون في ليلة العيد، وهذا خطأ. وتضييع للسنة وتضييع لثواب الأضحية. وإذا عرف عليه أن يعيد الأضحية، خاصة إذا كان عليه نذر فيجب عليه وجوبا أن يعيد.. فيبدأ من بعد صلاة العيد. ويجوز أن يذبح في يوم العيد نفسه، وفي ثاني يوم وثالث يوم العيد.. بل هناك قول بالجواز في رابع أيام العيد.. آخر أيام التشريق. والأولى أن يذبح إلى الزوال، فإذا جاء وقت الظهر ولم يذبح، يؤخر لليوم الثاني، وبعض الأئمة يقولون: حتى بعد ذلك يصح الذبح ليلا ونهارا ولهذا أرى أنه ليس من الضروري أن يذبح الناس كلهم في أول يوم العيد، حيث يكون هناك زحمة على الذبح، فيمكن أن يؤخر بعض الناس الذبح إلى اليوم الثاني أو الثالث، فيكون بعض الناس بحاجة إلى اللحم، فيستطيع أن يوزع في اليوم الثاني أو الثالث على أناس لعلهم يكونون أحوج إلى اللحم من أول أيام العيد.
هذا هو وقت الأضحية.
إلى الأعلىوما يجزئ في الأضحية هو
الإبل والبقر والغنم.. لأنها هي الأنعام.. فيصح أن يذبح أيا من هذه الأصناف. والشاة عن الواحد.. والمقصود بالواحد: الرجل وأهل بيته. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا عن محمد وآله.
وقال أبو أيوب: كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يذبح الرجل عن نفسه وأهله شاة واحدة، حتى تباهى القوم فصاروا على ما ترى.
فهذه هي السنة...
وبالنسبة للبقر والإبل، فيكفي سبع البقرة أو سبع الناقة عن الواحد، فيستطيع أن يشترك سبعة أشخاص في البقرة، أو في الناقة، بشرط ألا تقل البقرة عن سنتين، والناقة عن خمس سنوات، والماعز عن سنة، والضأن عن ستة أشهر. الضأن الجذع أباح النبي عليه الصلاة والسلام ذبحه ولو كان عمرة ستة أشهر. واشترط أبو حنيفة أن يكون سمينا، وإلا أتم السنة.
هذا ما يجزئ في الأضحية.
وكلما كانت أسمن وأحسن كان ذلك أفضل، لأنها هدية إلى الله عز وجل.. فينبغي على المسلم أن يقدم إلى الله أفضل شيء، أما أن يجعل لله ما يكره.. فلا، ولهذا لا يجوز أن يضحي بشاة عجفاء هزيلة شديدة الهزال، أو عوراء بين عورها، أو عرجاء بين عرجها، أو ذهب أكثر قرنها، أو كانت أذنها مشوهة، أو ذات عاهة أيا كانت هذه العاهة.. لا! إنما ينبغي على المسلم أن يقدم الشيء النظيف لأنه -كما قلت- هدية إلى الله سبحانه وتعالى.. فليتخير العبد يهديه إلى ربه.. وذلك من الذوق السليم والله سبحانه لن يناله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم.
إلى الأعلىهل يتصدق بثمن الضحية؟
أما سؤال السائل: أيهما أولى: الصدقة بثمن الضحية أم الذبح؟
أما بالنسبة للحي، فإن الذبح أولى، لأن الذبح شعيرة وقربة إلى الله عز وجل (فصل لربك وانحر) فنحن ننحر اقتداء بسنة أبينا إبراهيم، وتذكيرا بذلك الحدث الجليل، حدث التضحية. إبراهيم حين جاءه الوحي في الرؤيا، بأن يذبح ولده إسماعيل واستجاب لهذا الوحي، وذهب إلى ابنه وفلذة كبده، إسماعيل بكره الوحيد الذي جاء على الكبر، وعلى شوق وفي غربة، فبعد هذا كله، وبعد أن رزقه الله، وبشره بغلام حليم، وبلغ معه السعي، وأصبح يرجى منه، جاءه الوحي عن طريق الرؤيا الصادقة ليذبحه إنه امتحان.. وامتحان عسير.. على أب في مثل هذه السن، وفي مثل هذه الحال، وفي ولد ذكر نجيب حليم، وبعد أن بلغ معه السعي، في سن أصبح يرجى منه، كل هذا ويأتيه الأمر الإلهي: اذبحه! يريد الله أن يختبر.. قلب خليله إبراهيم؟؟ أما زال خالصا لله عز وجل؟ أم أصبح متعلقا مشغولا بهذا الولد؟ هذا هو البلاء المبين.. والامتحان الدقيق العسير، ولكن إبراهيم نجح في الامتحان، ذهب إلى ابنه، ولم يرد أن يأخذه على غرة، ولا على غفلة، ولكن بصره بالأمر وقال له: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى) ولم يكن في روعة موقف الوالد إلا موقف الولد فإنه لم يتمرد، ولم يتردد، بل قال في ثقة المؤمن وإيمان الواثق (يا أبت افعل ما تؤمر). نفذ ما لديك من أوامر (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) كلام يشيع منه الإيمان والقوة والتواضع والتوكل على الله. لم يجعلها بطولة أو ادعاء للشجاعة، بل علق ذلك على المشيئة (ستجدني -إن شاء الله- من الصابرين) رد الأمر إلى الله، ووكله إليه سبحانه وتعالى، فهو الذي يهب الإنسان اليقين، يمنحه الصبر، ويهبه قوة الأعصاب، (فلما أسلما) أسلم الوالد ولده، وأسلم الولد عنقه، (وتله للجبين) صرعه إلى جبينه، وأراد أن ينفذ ما أمر به، جاءته البشرى، (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا هو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم) جاءه جبريل بالكبش وقال له: اذبح هذا بدلا عن ابنك. فأصبحت سنة في هذا اليوم. نضحي تذكيرا بهذا الحدث.
الأمم دائما تحاول أن تخلد أحداثها، وتجسد ذكرياتها العظيمة وتحتفل بأيام مجدها.. يوم الاستقلال يوم الجلاء.. يوم النصر.. الخ فكذلك هذا اليوم من أيام الله، من أيام الإنسانية، من أيام الإيمان، هذا يوم بطولة خالدة، خلده الله بشعيرة الأضحية.. فالمسلم يضحي بهذا اليوم، وذلك سنة وهو أفضل من التصدق بثمنها، لأنه لو تصدق كل الناس بثمن أضاحيهم، فمعنى ذلك أن هذه الشعيرة تموت، والإسلام يريد أن يحييها، فلا شك أن الذبح أفضل. ولكن هذا في حق الحي.. وهو من يضحي عن نفسه وعن أولاده.
ولكن إذا كان للإنسان ميت، ويريد أن يهدي إليه في قبره ثوابا، فماذا يصنع؟ هل يذبح؟ أم يتصدق بالثمن؟.
القول الذي أرجحه وأرتاح إليه، أنه في البلد الذي تكثر فيه الذبائح ويكون الناس في غنى عن اللحم، يكون في هذه الحالة التصدق بثمن الأضحية عن الميت أفضل.. لأن الناس كلهم عندهم لحوم، وكلهم مستغنون يوم العيد وفي اليومين التاليين له، ولكن لعل أكثرهم بحاجة إلى دراهم يشتري بها ثوبا لابنته، أو لعبة لابنه، أو حلوى لأطفاله أو غير ذلك، فهم في حاجة إلى من يوسع عليهم في هذه الأيام المباركة أيام العيد وأيام التشريق، فلهذا تكون الصدقة عن الميت أفضل من الضحية في مثل هذه البلاد.
أما في البلاد التي يقل فيها اللحم، ويكون الناس في حاجة إلى اللحوم، ففي هذه الحالة، إذا ضحى الإنسان عن الميت ووزع لحم الأضحية عن ميته يكون أفضل.
هذا هو الذي أختاره في هذه الناحية.
ثم هناك أمر آخر، وهو أن الميت تشرع الصدقة عنه بإجماع المسلمين، لم يخالف فيها أحد. فهنا أمران لم يخالف فيهما مذهب: الصدقة عن الميت، والدعاء والاستغفار له. أما ما بعد ذلك مثل: أن تقرأ عنه القرآن، أو تذبح عنه، أو غير ذلك، وكل هذه الأمور فيها خلاف..
ولذا فالمتفق عليه خير من المختلف فيه.
ولهذا أقول للأخ السائل:
بالنسبة للحي، الأفضل أن يذبح عن نفسه وأهله.
وبالنسبة للميت، إذا كان البلد في حاجة إلى اللحم يذبح عن الميت، ويضحي عنه. وإذا كان البلد في غير حاجة إلى اللحم، فالأولى أن يتصدق بالثمن.
وطبعا، من حيث توزيع الأضحية، معلوم أن الأولى توزيعها أثلاثا، ثلث يأكله الإنسان، هو وأهل بيته (فكلوا منها) وثلث لجيرانه من حوله، وخاصة إذا كانوا من أهل الإعسار أو ليسوا من أهل السعة، وثلث للفقراء.. ولو فرض أنه تصدق بها كلها، لكان أفضل وأولى، على شرط أن يأخذ منها قليلا للسنة والتبرك، كأن يأكل من الكبد أو من سواها، ليصدق عليه أنه أكل منها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكما كان يفعل أصحابه.
إلى الأعلىج2 : في مذهب الحنابلة أنه لا يجوز أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا، فمن أراد أن يضحي في شهر ذي الحجة، فبمجرد أن يرى هلال هذا الشهر فعليه أن يمتنع عن قص شعره أو حلقه وعن تقليم أظافره، فإن هذا نوع من التشبه بالمحرمين في مناسك الحج.. فالإنسان الذي لم يتح له أن يذهب إلى الأرض المقدسة ليحرم ويحج ويعتمر، يتشبه بالحجاج والمعتمرين وهو في أرضه وفي بيته وفي بلده.. يتشبه بالامتناع عن قص شعر الرأس واللحية والأظافر فقط، وليس هناك شيء محرم أكثر من هذا.. فلا يظن البعض أنه يمتنع عن زوجته وعن الطيب.. لا .. لم يرد هذا.. الامتناع فقط عن قص الشعر والأظافر.. وليس مطلوبا من المسلم غير الحاج الإحرام.. وهذا مكروه فقط.. وهو الأرجح. فمن فعل ذلك فليس عليه فدية وليس عليه شيء، فلو خالف أحد، وقص شعره أو أظافره، فليس عليه فدية وإنما عليه أن يستغفر الله، وليس أكثر من ذلك.. ومادام الأمر مكروها فالكراهة -كما قال العلماء- تزول بأدنى حاجة.. فمثلا إذا كان البعض يضايقه كثيرا ترك الشعر أو الأظافر فقص شعره أو قلم أظافره، فلا شيء عليه. هذا فيما يتعلق بترك الشعر والأظافر في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي.
الضحية
س: متى تشرع الضحية؟
وهل يجوز للمسلم، إذا كان من أهل الغنى واليسار، ألا يضحي؟ وكيف يكون توزيع الضحية؟
ج : الضحية سنة مؤكدة في معظم المذاهب، وواجب في مذهب الإمام أبي حنيفة.
والواجب عنده شيء أقل من الفرض، وفوق السنة..
وهذا الواجب من تركه يكون آثما، إذا كان من أهل اليسار والغنى.
[font:7415='Arabic Tran