هي أرض البرتقال الحزين كما دعاها غسّان كنفاني
وهي التي تغنّى بها محمود درويش «الأرض أم أنت؟ أم أنتما توأمان؟»
وهي التي صرخ في وجه كلّ ما عاداها مظفّر النواب عندما قال
«القدس عروس عروبتكم، فلماذا أدخلتم كلّ زناة اللّيل إلى حجرتها ووقفتهم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها..»
وهي التي قال فيها توفيق زياد «بلادي بلادي.. لياليك بالنصر.. وأنت تراث للحدود التي ليس يبلى..».
الأرض هي الأرض هي الكرامة، هي الحرية، هي الانعتاق، وهي التاريخ والابداع،
ولكنّنا لا نراجع تاريخنا، ولا نطلع على حاضرنا ولا نبحث في كتبنا
لأنّنا بكل بساطة شعب لا يقرأ و شعب لا يتقدّم ـ
فلنعلّم أطفالنا إذن فَلْنَروِ لهم في المدارس في المعاهد في الكتب على أعمدة الصّحف وفي كلّ مكان أن يوم الأرض هو يوم الكرامة، انّ الثلاثين من آذار سنة ستّ وسبعين، هو أوّل هبّة حقيقيّة للشعب الفلسطيني، هو أوّل اضراب عام شامل، وأوّل صرخة احتجاجية منظمّة ضدّ سياسة المصادرة والاقتلاع.
مصادرة واقتلاع الأراضي الفلسطينية عنوة في الجليل، في البطوف وفي قرى فلسطينية أخرى.. جرس الخطر دقّ اذن لأنّ الأمر تعلّق بالأرض.. بالوجود.. بالمستقبل... بالبقاء، وهذا لا يمكن أن يتحقّق الاّ بالمحافظة على الأرض، خاصّة اثر الاجتياح الاسرائيلي الذي كان معزّزا بالجيش والدّبابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينية وأعاد احتلالها مُوقِعًا القتلى والجرحى بين صفوف المدنيين العزل. إنّ ما يميّز يوم الأرض هو خروج الجماهير لوحدها الى الشّوارع دون تخطيط، وهو ما كان له الأثر الكبير على الوعي السّياسي الفلسطيني الذي تشكل وتطوّر فيما بعد حتّى أصبح الثلاثون من آذار رمزًا للصّمود ورمزًا للقضيّة الأساسيّة ألا وهي قضيّة الأرض!
إذن الأرض أرضنا، فلماذا لا نروي لأطفالنا، لا نكتب لهم قصصا قصيرة وحكايات وأشعارًا عن أطفال مثلهم قطعت أياديهم وبترت أرجلهم وتشوّهت وجوهم فصاروا كبارًا.. كبارًا جدّا في عمر أطفال.
لماذا لا يكون لنا في كلّ كتاب، في كلّ رسم ، في كلّ أنشودة مقاطع تروي عذابات الطّفولة ليشعر الطفل العربي بأنّ هناك في بقعة ما من الأرض العربيّة في فلسطين طفل مثله لا تسمح أزماته، لا يسمح القصف المستمر لا يسمح التّجويع والتخويف، الشظايا والقنابل بأن يكون طفلا، بأن تكون له غرفته ولعبه لأنّه لا يعرف متى ستنهار الغرفة ويتطاير كلّ شيء لا لشيء إلاّ لأنّه يحبّ أرضه، لا لشيء إلاّ لأنّه لا يريد أن يغادر غزّة ولا الرّملة، ولا الطيرة، ولا عكّا، ولا حيفا لأنّه هناك ولد وهناك آمن بأنّ الأرض أرضه.
لنبدأ بالقراءة اذن، قراءة كلّ شيء، كلّ ما كتبته الأيادي الصّامدة الأيادي التي عايشت المحن والدّمار ولكنّها لم تيأس فكتبت وكتبت ثمّ لنعلّم أطفالنا القراءة قراءة أشعار سليمان العيسى ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد...
روايات غسّان كنفاني، معين بسيسو وكلّ من كتب عن الأرض وتغنّى بها، لنزرع فيها الثقافة التي تجعلهم أكثر وعيًا وأكثر إحساسًا بعروبتهم فما من شكّ في أنّ مرجعيتنا الفكرية ووعينا السّياسي وتشبّثنا بهويتنا، هو الطريق الحقيقي للمحافظة على الأرض لأنّها هي الشرف والهوية فلنحافظ عليها حفاظًا على كرامتنا، حتّى لا يكون الثلاثون من آذار احتفالاً بقدر ما هو نبش في الذّاكرة وإعادة قراءة لتاريخنا، لحضارتنا فنكون بذلك قد تعلّمنا وعلّمنا جيلاً لاحقًا.