الحب - أعزك الله - أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف،
فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في
الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل
------------
علمنا أن
المحبة ضروب. فأفضلها محبة المتحابين في الله عزوجل؛ إما لاجتهاد في العمل،
وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضل علم يمنحه الإنسان ومحبة
القرابة، ومحبة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة ومحبة
البر يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين
لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ للذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق
التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس، فكل هذه الأجناس منقضية مع
انقضاء عللها وزائدة بزيادتها وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها فاترة
ببعدها. حاشى محبة العشق الصحيح الممكن من النفس فهي التي لا فناء لها إلا
بالموت.
------------
نفس الذي لا يحب من يحبه مكتنفة الجهات
ببعض الأعراض الساترة والحجب المحيطة بها من الطبائع الأرضية فلم تحس
بالجزء الذي كان متصلاً بها قبل حلولها حيث هي، ولو تخلصت لاستويا في
الاتصال والمحبة
-----------
نفس الذي لا يحب من يحبه مكتنفة
الجهات ببعض الأعراض الساترة والحجب المحيطة بها من الطبائع الأرضية فلم
تحس بالجزء الذي كان متصلاً بها قبل حلولها حيث هي، ولو تخلصت لاستويا في
الاتصال والمحبة
-----------
فليس لعيني عند غيرك مـوقـف كأنك ما يحكون من حجر البهـت
أصرفها حيث انصرفت وكيفـمـا تقلبت كالمنعوت في النحو والنعت
------------
وإذا قمت عنك لم أمـش إلا مشي عان يقاد في نحو الفناء
في مجيئي إليك أحتّث كالبدر إذا كان قاطعاً للسمـاء
وقيامي إن قمت كالأنجم العالية الثابتات في الإبـطـاء
------------
بينما
ترى المحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا يقدر يصلح عند الساكن
النفس السالم من الأحقاد في الزمن الطويل ولا ينجبر عند الحقود أبداً، فلا
تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل الصحبة، وأهدرت المعاتبة، وسقط الخلاف
وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلى المضاحكة والمداعبة، هكذا في الوقت الواحد
مراراً
------------
ويعرض في الحب سوء الظن واتهام كل كلمة من
أحدهما وتوجيهها إلى غير وجهها، وهذا أصل العتاب بين المحبين. وإني لأعلم
من كان أحسن الناس ظناً وأوسعهم نفساً وأكثرهم صبراً وأشدهم احتمالا
وأرحبهم صدراً، ثم لا يحتمل ممن يحب شيئاً ولا يقع له معه أيسر مخالفة حتى
يبدي من التعديد فنوناً ومن سوء الظن وجوها.
------------
من
أحب من نظرة واحدة وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة فهو دليل على قلة البصر،
ومخبر بسرعة السلو، وشاهد الظرافة والملل. وهكذا في جميع الأشياء أسرعها
نمواً أسرعها فناء. وأبطؤها حدوثاً أبطؤها نفاذاً.
------------
إني لأطيل العجب منكل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة ولا أكاد أصدقه ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الشهوة
------------
غزال قد حكى بدر التـمـام كشمس قد تجلت من غمـام
سبى قلبي بألحـاظ مـراض وقد الغصن في حسن القـوام
خضعت خضوع صب مستكين له وذللت ذلة مـسـتـهـام
فصلني يا فديتك فـي حـلال فما أهوى وصالاً في حـرام
------------
يلوم رجال فيك لم يعرفوا الهوى وسيان عندي فيك لا ح وساكت
يقولون جانبت التصاون جـمـلة وأنت عليهم بالشريعة قـانـت
فقلت لهم هذا الرياء بـعـينـه صراحاً وزي للمرائين ماقـت
متى جاء تحريم الهوى عن محمد وهل منعه في محكم الذكر ثابت
إذا لم أواقع محرماً أتـقـى بـه محبي يوم البعث والوجه باهت
فلست أبالي في الهوى قول لأئم سواء لعمري جاهر أو مخافت
وهل يلزم الإنسان إلا اخـتـياره وهل بخبايا اللفظ يؤخذ صامـت
------------
هناك
هجر يوجبه العتاب لذنب يقع من المحب، وهذا فيه بعض الشدة، لكن فرحة الرجعة
وسرور الرضى يعدل ما مضى، فإن لرضى المحبوب بعد سخطه لذة في القلب لا
تعدلها لذة. وموقفاً من الروح لا يفوقه شيء من أسباب الدنيا
-----------
لقد
وطئت بساط الخلفاء وشاهدت محاضر الملوك فما رأيت هيبة تعدل هيبة محب
لمحبوبه، ورأيت تمكن المتغلبين على الرؤساء وتحكم الوزراء. وانبساط مدبري
الدول، فما رأيت أشد تبجحاً ولا أعظم سروراً بما هو فيه من محب أيقن أن قلب
محبوبه عنده ووثق بميله إليه وصحة مودته له.
-----------
لعلك بعد عتبك أن تجـودا بما منه عتبت وأن تـزيدا
فكم يوم رأينا فيه صحـواً وأسمعنا بآخره الرعـودا
وعاد الصحو بعد كما علمنا وأنت كذاك نرجو أن تعودا
----------
من تزيا باسم الحب وهو ملول فليس منهم، وحقه ألا يتجرع مذاقه، وينفي عن أهل هذه الصفة ولا يدخل في جملتهم.
----------
أول
مراتب الوفاء أن يفي الإنسان لمن يفي له، وهذا فرض لازم وحق واجب على
المحب والمحبوب، لا يحول عنه إلا خبيث المحتد لا خلاق له ولا خير عنده.
----------