"من أنتم حتى تعلموا شباب الثورة الديمقراطية والتغيير؟!"..
سؤال ساخر وجهه المفكر الفلسطيني الدكتورعزمي
بشارة للغرب خلال رسالته لشباب الثورة في مصر وتونس طالهبم فيها بالتمسك
بأنهم هم مفجروا الثورة، وألا يتخلوا عن الإيمان بأنهم هم المسئولون عن
صناعة التغيير في بلدهم وليس الأحزاب والجماعات السياسية القديمة،
وألا يعتمدوا على أي تمويل أو مساعدة غربية سياسية كانت أو مالية لأنهم هم من
أزال النظام الاستبدادي الذي رعاه الغرب.
وفي حوار مع الإعلامي يسري فودة في برنامج "آخركلام" بفضائية "أون تي في"
المصرية مساء الثلاثاء 14-6-2011، أبدى بشارة تعجبه من عدم استعانة الحكام
الجدد في مصر بالشباب في الحكومة سوى واحد فقط في منصب المستشار السياسي
لرئيس الوزراء:
"لماذا لم يظهر الشباب في الحكومة؟".
غيرأنه ألقى بالكرة في ملعب الشباب نفسه الذي شجع بقية الشعب على الثورة:
"
الشباب الجميل الذي قام بالثورة عليه ألا ينسى أنه هو من فجر الثورة، وأنه
هو المسئول الأول عن التغيير في بلده وليس الأحزاب والسياسيين القدامى"،
ولذا فإن عليه "أن يخطط لمصر لمدة 8 أو 10 سنوات قادمة،
ولا يخطط فقط فماذا سوف يفعل خلال الجمعة القادمة؛ فنحن أمام ثورة قام بها الثوار للإصلاح..
ولكن حتى الآن في رأيي لم ينته النظام السابق بالكامل".
"يجب أن يعلم الشاب أن المهمة لم تنته بعد؛ فيجب أن نستمر حتى يتم إصلاح النظام بالكامل؛
فهناك حتى الآن مناوشات واعتصامات حتى تسير الثورة في مسارها الصحيح،
ويجب أن نرفع القبعة للشباب الذين نزلوا إلى ميدان التحرير، وسقط منهم شهداء، وأجهدوا كثيرا، ورغم هذا النجاح، ورغم الحفاوة بهم وقيام العالم بعناقهم عناق الدب، نزلوا مرة أخرى إلى التحرير لتحقيق المطالب بشكل يناسب مباديء الثورة، فهذا جهد يجب أن نحييهم عليه،
ودورهم الآن يجب أن يكون في التأهّل للوصول إلى الناس والشارع المصري، حتى يكونوا مؤهلين لخوض
الانتخابات البرلمانية القادمة".
وأبدى المفكر الفلسطيني تفاؤله بأن المستقبل سيكون لمن قاموا بالثورة:
"الشعب الذي قام بالثورة، وقام بهذا الجهد، هو الذي سيفرز أعضاء البرلمان، وأعضاء الحكومة، ورئيس الدولة القادم"،
غير أنه رأي أن مصر تحتاج لأن يمر عليها دورتين انتخابيتين متكاملتين حتى ترى إذا كانت الديمقراطية تحققت بشكل كامل أم لا.
وحول رأيه في دور المؤسسة العسكرية المصرية في استكمال تنفيذ مطالب الثورة قال
إن تحفظ المؤسسة العسكرية في مواقفها واتسامها بالغموض له تفسير سلبي وتفسير إيجابي،
التفسير السلبي هو أن المؤسسة العسكرية متمسكة بالحفاظ على الوضع كما هو،
أما التفسير الإيجابي فهو أنها لا تريد التدخل في السياسة حتى تأتي سلطة مدنية لتستلم مهامها".
"من يعلم من؟!"
وحتى يسير الركب في طريق الديمقراطية بشكل سلس وسليم شدد عزمي بشارة على ضرورة وقوف المصريين ضد سياسة الاقتراض من الخارج والسعي للمساعدات الأجنبية التي عادت إليها الحكومة الجديدة: "مصر ليست أقل من ماليزيا أو البرازيل لتأخذ مساعدات أجنبيه"، في إشارة إلى أن ماليزيا على سبيل المثال أقامت نهضتها بعقول وسواعد أبنائها، ورفض اللجوء لأموال ووصفات وشروط صندوق النقد الدولي، محذرامن أن المعونات الأجنبية لمصر ستعيق التطور الديمقراطى.
ولفت بشارة إلى نوع آخر من التدخل المالي الغربي الذي يستهدف في الأساس التأثير على القرار السياسي المصري واحتواء الشباب والحيدة به عن مساره الثوري، وهو الأموال التي يأتي بها وفود ومراكز أبحاث غربية إلى مصر وتونس بحجة أنهم يقدمون برامج تدريبية للشباب لمساعدتهم على البناء الديمقراطي والتغيير
.
وتساءل ساخرا:
"من يعلم من؟
ومن أنتم (الغرب) حتى تأتوا لتعلموا شباب مصر وتونس الديمقراطية والتغيير
وهم من قاموا بأنفسهم بإزالة أعتى النظم الاستبدادية التي أقمتوها وساندتوها طوال عشرات السنين؟!".
وذكَّرعزمي بشارة بالموقف الأمريكي من الثورات العربية:
"أمريكا لا تستحق أي كلمة شكر،
لأن موقفها ليس إيجابيا، فأمريكا ليس لها أي فضل على الثورات العربية، وهي السبب في حدوث القمع السياسي في مصر، وقد أثبتت الوثائق أن هناك عدة تحالفات بين بعض البلاد الغربية وسيف الإسلام ابن القذافي حتى يحصل على الحكم بالتوريث..
وفي تونس ظلت غير مؤيدة للثورة حتى أثبت لها شباب تونس أن الثورة ستنجح رغم أي دعم تقدمه هي أوغيرها في الغرب لبن علي".
وحذر بشارة خلال من الاعتقاد في أي لحظة في أن الموقف الأمريكي هو الذي سيحسم الأمور في البلاد العربية:
"لأن الشعب هو الذي سيقرر إن كان سينزل إلى الميدان ولن يعود إلا
بعد التغيير، أم سيرجع في حال تلبية بعض الطلبات، وبعدها من الممكن أن
تعلن أمريكا موقفها".
وعن تأثير الخلافات السياسية الحادة بين الأحزاب والحركات السياسية في مصر الآن بشأن ملفات الدستور والانتخابات وغيرها أبدى بشارة ثقة كبيرة في وعي الشباب المصري لتجاوز هذه الخلافات:
"مصرية الشباب فائقة جدا، ومحبته لوطنه تغلب أي انتماءات أخرى، وأنا متأكد أنهم في اللحظات الفارقة سيفضلون مصلحة وطنهم على مصالحهم الشخصية كما رأينا في ميدان التحرير".
وحول موقفه من الثورة المصرية قال
إنه لم تحدث ثورة في التاريخ ساهم فيها أكثر من 1% من الشعب، وبقية الشعب كان يكتفي بالصمت وتشجيع الثورات من بعيد،
ولكن الثورة المصرية تجاوزت ذلك،وهذا شيء مبهر، ومجال التفاؤل هنا هو أن النخبة الحاكمة انشقت عن بعضها البعض،
والثورات تنجح عموما عندما تنشق الحكومة والنظام الفاسد،
وقد أصبحت الثورة المصرية عنصرا أساسيا من الوطنية المصرية.
وعلى هذا الأساس ختم بشارة حواره بابتسامة تفاؤل واسعة:
"أنا متفائل لمستقبل الدول العربية على المدى البعيد، فأنا متوقع بعض الانتكاسات خلال الفترة القادمة، ولكن
قبل أقل من عقد سيكون هناك عالم عربي جديد، يفخر بمرجعيته الإسلامية وبعده العربي مع احتفاظ كل دولة بوطنيتها المميزة، فلا تعارض بين الوطنية وبين الإسلام، وفي أقل من 10 سنوات سنتجول في الوطن العربي بدون تأشيرات، وستكون هناك قطارات تربط الدول العربية ببعضها، وسيكون هناك سوق اقتصادي موحّد، وهذا ليس حلم وإنما هو المفترض أن يحدث